زيارة عاشورآء القدسية


الأربعاء، 15 يونيو 2011

فاطمة الزهرآء سلام الله عليها سرّ الله

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد الأطيبين الأطهرين
و اللعنة الدآئمة الوبيلة على أعدآئهم و ظالميهم أجمعين
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الوالدة المكرمة المنتظرة , حياكم الله و عظم الله أجورنا و أجوركم بمصابنا بإستشهاد سيدتنا و مولاتنا فاطمة الزهرآء سلام الله عليها , أعتذرعن تأخري في جواب تسائلكم الكريم , أرجوا أن يكون الجواب مفيدا , وفقكم الله لكل خير , و أسألكم خالص الدعآء بحق فاطمة الزهرآء سلام الله عليها .

إن المتمعن في زيارة سيدتنا الزهرآء سلام الله عليها , يجد أننا في زيارتها نجدد العهد معها , بصورة هي غير الصورة المألوفة لباقي أئمتنا عليهم السلام , هذه الزيارة يرويها الشيخ الطوسي (قدس سره) في التهذيب عن الإمام محمد الجواد (صلوات الله وسلامه عليه) ، وهذا نصها:
”عن إبراهيم بن محمد بن عيسى بن محمد العريضي قال: حدثني أبو جعفر (عليه السلام) ذات يوم، قال: إذا صرت إلى قبر جدتك فقل: يا ممتحنَة! امتحنك الله الذي خلقك قبل أن يخلقك، فوجدك لما امتحنك به صابرة، وزعمنا أنّا لك أولياء ومصدّقون وصابرون لكل ما أتانا به أبوك صلى الله عليه وآله وأتانا به وصيه عليه السلام، فإنّا نسألك إن كنا صدّقناك إلا ألحقتنا بتصديقنا لهما لنبشر أنفسنا بأنا قد طَهُرنا بولايتك“! (التهذيب ج6 ص10).

فإننا نعرض عليها ولايتنا و تصديقنا و صبرنا لكل ما أتنا به رسول الله صلى الله عليه و آله الأطهار و أمير المؤمنين سلام الله عليه , و نسئلها إن كنا قد صدقناها في هذا الزعم , أي ما نزعمه من الولاية و التصديق و الصبر , أن تلحقنا بهما , أي هي همزة الوصل بين الولاية و النبوة, فشرط الوصول إلى النبوة و الولاية تصديقها هي, و هي المشكاة التي حوت هذا السر الإلهي المستودع فيها , هذا هو تجديد العهد و الوفاء به , حقيقتا هذه الزيارة القصيرة في ألفاظها العميقة في معانيها , لهي من أكثر الزيارات التي تهتز أركان وجودك عند قرآئتها , فليس مدخلك في الزيارة على نحو السكون , بل هي جذبة قوية إلى الملكوت الأعلى , دون أن تتنقل على سكون و هدنة في السلامات , كأن تقول السلام عليك يا سيدة النساء العالمين , السلام عليك يا فاطمة الزهرآء , لا بل و بمجرد الدخول في الزيارة هناك تكون جذبة لا مثلها جذبة , و هذا الكلام يستشعره من يعيش هذه الزيارة لا الذي يلقلقها .

ينبئك النص بأن الله تعالى وجد الزهراء صابرة لما امتحنها به قبل أن يخلقها! فلا تجد نفسك إلا عاجزا عن التفسير وإيجاد المعنى الحقيقي لما تقوله بنفسك أثناء زيارتها!
ولا تكاد تضرب صفحا عن هذه التساؤلات؛ حتى تصعقك كلمة ”وزعمنا أنّا لك أولياء..“!! فتقول في قرارة نفسك: ما معنى هذا؟ هل أن موالاتنا للزهراء (صلوات الله عليها) مجرد زعم؟!
حسب اللغة؛ فإن الزعم هو الادعاء المحتاج إلى دليل للإثبات، فالأصل فيه الكذب إلا أن يثبت الصدق بدليل. إذا عرفنا ذلك؛ أدركنا مدى خطورة هذه الكلمة وهذه العبارة ”وزعمنا أنّا لك أولياء..“، فالحقيقة هي أننا نزعم أننا موالون للزهراء (صلوات الله عليها) ولكن إثبات أننا مخلصون في موالاتنا يبدو صعبا على نفوس ملوثة بالذنوب مثل نفوسنا!
ولننتبه إلى ما عبّرت عنه الزهراء (أرواحنا فداها) بنفسها في هذا الشأن، فقد رُوي أن رجلا أرسل امرأته إلى فاطمة (عليها السلام) وقال لها: اذهبي إلى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاسأليها عني؛ أني من شيعتكم أم ليس من شيعتكم؟ فسألتها فقالت: ”قولي له: إن كنت تعمل بما أمرناك، وتنتهي عما زجرناك عنه، فأنت من شيعتنا، وإلا فلا“! (البحار ج65 ص155).

وبملاحظة هذا المعنى، يمكن أن نعرف ما ينتابنا عندما نتوجه إلى الزهراء (عليها السلام) بالزيارة ونقرأ هذه العبارة: ”وزعمنا أنّا لك أولياء..“، فإنها حقا صعقة كبرى نوجهها لأنفسنا بأنفسنا! فنعترف بأننا نزعم الموالاة والتشيع – تلك الدرجة العالية الرفيعة – في الحين الذي لا نزال فيه نرتكب الخطايا والذنوب التي تنزع عنا هذه الصفة الجليلة.
ولا نعترف بذلك، ولا نوجه هذه الصعقة لأنفسنا إلا أثناء زيارتنا للزهراء (سلام الله عليها) دون سائر المعصومين عليهم الصلاة والسلام. لهذا تكون هذه الزيارة مغايرة، ولهذا نقول أنها تحرّك كوامن الضمير وتستثير المشاعر وتدفعنا نحو محاسبة النفس أكثر.
مع هذا؛ يعطينا نص الزيارة بارقة أمل عندما نمضي بتلاوة سائر الكلمات: ”وزعمنا أنا لك أولياء، ومصدقون وصابرون، لكل ما أتانا به أبوك صلى الله عليه وآله، وأتانا به وصيه عليه السلام، فإنا نسألك إن كنا صدقناك؛ إلا ألحقتنا بتصديقنا لهما، لنبشر أنفسنا بأنّا قد طهرنا بولايتك“!
سبحان الله!
تكون الزهراء البتول (صلوات الله وسلامه عليها) هي المسؤولة عن إلحاقنا بأبيها وبعلها (عليهما الصلاة والسلام)، ويكون قيد الشرط في كل ذلك تصديقها هي! و ولايتها هي المطهرة لنا , فما أروع هذا المقام الفاطمي الشامخ.


و قد كنت أشرت في هذا البحث السابق إشارة خاطفة إلى أن الأنبياء بعثوا بنبوة رسول الله و الولاية لأمير المؤمنين سلام الله عليه , و لكن هناك حديث آخر , لو فهمناها و أمعنا النظر في الزيارة و ما قدمته من كلام , نعرف أن ما لمعرفة الزهرآء سلام الله عليها و تجديد العهد معها من أهمية عند الله عز و جل و عند أئمتنا الأطهار صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين , الحديث هو :
"عن الصادق عليه السلام: "" وهي الصديقة الكبرى على معرفتها دارت القرون الأولى فسئل عن القرون الأولى فقال قرون كل الأنبياء والمرسلين ""
و كذلك :
عن عبد الأعلى عن الإمام الصادق عليه السلام:"" ما نبئ نبي قط إلا بمعرفة حقنا وبفضلنا عمن سوانا "".

ماذا نقول في عظمة فاطمة الزهرآء سلام الله عليها , يجف القلم و يحتار العقل , كيف نصف هذا الوجود القدسي الشريف المنيف , الله عز و جل يُعرج بنبيه الأعظم صلى الله عليه و آله الأطهار إلى ملكوته الأعلى ليقطف من أفضل ثمار الجنة , ليكون ثمر نطفة الصديقة الطاهرة الزهرآء سلام الله عليها لتكون آية لله تعالى في الأرض فريدة في تكوينها و شخصيتها

تأملوا في قوله تعالى : " فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ " لابد من فهم هاتين الكلمتين : تسوية الجسد , ثم نفخ الروح , فهما تدلان على إعداد خاص للجسد , و على تناسب خاص ضروري بينه و بين الروح , فنفس الإنسان لا يمكن أن تحل في بدن حيوان مثلا , لماذا ؟؟ أن تسويته غير مناسبة لها، فهي لاتحل إلا في بدن تمت تسويته في أحسن تقويم: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ.لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ(سورة التين: 1-4)
ومادام بدن الإنسان العادي مخلوقاً في أحسن تقويم، فكيف بالبدن الذي لم يؤخذ أصله من عالم الملك، بل أخذ من عالم الملكوت الذي هو فوق عالم الظلمات، كبدن الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام ؟! وكيف ستكون النفس التي تناسبه وتحل فيه ؟!!

إن شجرة طوبى شجرة وحيدة متفردة ، وقد شاء الله تعالى أن يجعل تكوين بنت أفضل أنبيائه صلى الله عليه وآله وسلم وأم خير أوصيائه عليهم السلام من أعلى ثمارها !
فما هي الروح المتناسبة مع هذا البدن التي اختارها الله لفاطمة عليها السلام ؟!!

" (فاطمة روحي التي بين جنبي)"

إنها من أسرار الله تعالى التي لا نستطيع أن نفهمها ، لكنا نفهم منها لماذا علمنا النبي وأهل بيته أن ندعو الله تعالى فنقول: (اللهم إني أسألك بفاطمة وأبيها ، وبعلها وبنيها، والسر المستودع فيها) !!

بدنها و جسمها من الملكوت الأعلى و روحها روح أشرف خلق الله , من هي فاطمة , إنها فاطمة , فطموا الخلق عن معرفتها .

نعم إن قضية الزهراء عليها السلام بهذا المستوى من العظمة والأهمية ، غاية الأمر أن كل إنسان يفهم منها بقدر عقله وفكره (إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها)! فبعضهم يفهم من شخصية الزهراء عليها السلام أنها أم نموذجية ! فمعرفته لها على قدر عقله ! وبعضهم يفهم أنها زوجة مثالية ، وهذا أيضاً قدر عقله وشعوره ! وبعضهم حد فهمه أن يرى فيها قدوة لنساء العالم ، وهذا أيضاً حد فهمه !

لكن قضيتها عليها السلام أعظم من كل ذلك، فعندما نبحث عن أسرار الله المودعة في الروح الفريدة للزهراء عليها السلام ، ذات التكوين البدني الفريد ، نصل الى أن روحها خلقت من نور عظمة الله تعالى!! فعن جابر بن يزيد الجعفي رحمه الله أنه سأل الإمام الصادق عليه السلام : لم سميت فاطمة الزهراء، زهراء؟ فقال: لأن الله عز وجل خلقها من نور عظمته، فلما أشرقت أضاءت السموات والأرض بنورها ، وغشيت أبصار الملائكة، وخرت الملائكة لله ساجدين وقالوا: إلهنا وسيدنا ، ما هذا النور ؟ فأوحى الله إليهم: هذا نور من نوري، أسكنته في سمائي، خلقته من عظمتي، أُخرجه من صلب نبي من أنبيائي، أُفضله على جميع الأنبياء، وأُخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري، يهدون إلى حقي، وأَجْعَلُهُم خلفائي في أرضي، بعد انقضاء وحيي) . (الإمامة والتبصرة ص133)
إن إضافة النور الى الله تعالى يعطيه خصوصية عالية، فالله تعالى نور السماوات والأرض، والنور الذي خلقه ونسبه اليه، يصعب على العقول فهمه: اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَامِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِئُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شئ عَلِيمٌ (سورة النور: 35 )

ونور العظمة أعلى من نور العلو ، لأن وصف العظيم في آية الكرسي ورد بعد وصف العلي: وَلا يُحِيطُونَ بِشَئٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ َبِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (سورة البقرة:255 )

وعندما يكون البدن من أعلى ما في الجنة ، والروح من نور العظمة ، فأي بشر سيكون صاحبه ؟! من أين أتى ، والى أين ، وماذا سيكون في المحشر ، وأين سيكون في الجنة ؟!

وقد روى الإمام الصادق عليه السلام عن جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كيف خلق الله تعالى روح فاطمة من نور عظمته قبل خلق آدم عليه السلام ، فقال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : خلق نور فاطمة قبل أن تخلق الأرض والسماء. فقال بعض الناس: يا نبي الله فليست هي إنسية ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : فاطمة حوراء إنسية. قال: يا نبي الله وكيف هي حوراء إنسية؟ قال: خلقها الله عز وجل من نوره قبل أن يخلق آدم، إذ كانت الأرواح، فلما خلق الله عز وجل آدم عرضت على آدم ! قيل: يا نبي الله وأين كانت فاطمة؟ قال: كانت في حقة تحت ساق العرش. قالوا: يا نبي الله فما كان طعامها؟ قال: التسبيح والتهليل والتحميد) . (معاني الأخبار للصدوق ص396) (3)

كانت في حقة تحت ساق العرش.. كالجوهر الذي يحفظونه في علبة في صندوق ثمين ، مكانها عند قوائم عرش الرحمن! أما طعام روح فاطمة قبل أن تحل في هذا البدن الفريد أيضاً فكان التسبيح والتهليل والتحميد ، وذلك بعد التقديس !

فأول طعامها التسبيح وبهذه نعرف العلاقة بين الزهراء عليها السلام وبين تسبيح الزهراء الذي سماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم باسمها والذي كانت تتغذى به وتداوم عليه في ذلك العالم !
إن المهم كما أكدنا دائماً هو الدراية ، وليس مجرد الرواية !

نحن نتعجب عندما نعرف أن سبب نزول سورة طه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلغ من حبه لربه واستغراقه في عبادته أنه كان يقف في محرابه يصلي حتى تورمت قدماه، فأنزل الله عليه سورة ( طه ) يحدثه فيها ويطمئنه ويطلب منه أن يخفف عن نفسه !

( طَهَ. مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى.إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى.تَنْزِيلا ًمِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى.الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى. لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا في الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى. وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى. اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى. وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ) . (سورة طه: 1-9)

لكن هذا ليس عجيباً على الشخص الأول في الوجود، والنقطة الأولى في قوس النزول، والنقطة العليا في قوس الصعود!
بل هو عجيب على ابنته الزهراء عليها السلام التي لم تبلغ ثمانية عشر عاماً ، وقد سلكت خط أبيها، ووقفت في محرابها تصلي لربها وتعبده، حتى تورمت قدماها كأبيها ، فكانت شريكة له في سورة ( طه ) !
إنها ملحمة العبودية لله في هذا البيت ، فقد كانت فاطمة مستغرقة في ذات الله ، مندكة في عظمته وجلاله. وكانت في هذه النشأة في سباق في معرفة الله تعالى وعبادته ، ونسخة عن أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شبابه!(4)

والآن يمكننا أن نفكر لماذا تشترك الزهراء مع أبيها يوم القيامة في فضيلة لا يشاركهما فيها غيرهما ، فعندما يتم حشر الناس وحسابهم ويؤتى بالبراق للنبي صلى الله عليه وآله وسلم للذهاب الى الجنة ، يتقدم أمامه موكب واحد ، هو موكب فاطمة الزهراء عليها السلام !! (5)
ونفهم لماذا عندما تدخل فاطمة الجنة، يزورها الأنبياء عليهم السلام من آدم فما دونه، يزورها نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ، ويزورها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولذلك تفسير لايتسع له المقام !
ويمكننا أن نفهم لماذا خصها الله بالذكر في بشارة الأنبياء السابقين بخاتم أنبيائه صلى الله عليه وآله وسلم : (أوحى الله تعالى إلى عيسى جِدَّ في أمري ولا تترك، إني خلقتك من غير فحل آية للعالمين، أخبرهم: آمنوا بي ، وبرسولي النبي الأمي، نسله من مباركة هي مع أمك في الجنة، طوبى لمن سمع كلامه ، وأدرك زمانه ، وشهد أيامه). ( الخرائج والجرائح:2/950 )

ونفهم معنى أنها ليلة القدر: (عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (إنا أنزلناه في ليلة القدر، ليلة القدر فاطمة ، ليلة القدر فاطمة ، فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها). ( تفسير فرات الكوفي ص581 ، البحار: 43/65 ، العوالم :11/103 )
فبطون الكتاب المحكمة كلها في ذلك السر المستسر في قلب فاطمة عليها السلام !
إن بشراً كهذا البشر لهو فوق تعبيرنا ، ومهما قلنا في حقها ينبغي لنا أن نستغفر الله تعالى من تقصيرنا فيه.
وهنا نصل الى قول الإمام الصادق عليه السلام : (إنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها ) !

إستفدت هذه الكلمات من علمائنا الكرام من جملتهم سماحة المرجع المبجل الشيخ وحيد الخراساني حفظه الله تعالى ।

و كنت قد كتبت شيئا في شبابي عن معنى كون سيدتنا فاطمة الزهرآء سلام الله عليها هي همزة الوصل بين النبوة و الولاية , أعرضها هنا لعل من يستفيد منها :

السؤال
کیف تکون سیدة نسآء العالمین فاطمة الزهرآء صلوات الله علیها خلقت من تفاحة من الجنة ؟
بینما فی الأحادیث أن الجنة خلقت من أنوارهم الشریفة علیهم السلام؟؟
فهل یعقل أن یخلق الأصل من الفرع؟؟؟

بعض الجواب :
کان نور صلى الله علیه وآله أول ماخلق الله ( أول ماخلق الله نور نبیک یاجابر ) فکان مخلوقاً وخط بالقلم على اللوح وکان نوره على العرش , سجدت له الملائکة ففی الزیارة الجامعة الکبیرة ( بکم فتح الله وبکم یختم ) وبالرغم من هذا إلا أن النطفة تناقلت فی الأرحام المطهرة والأصلاب حتى تصل إلى الصورة البشریة , ففاطمة سلام الله علیها کانت مخلوقة وکان نورها ملقى فی هذه التفاحة حتى یأخذها رسول الله تظهر لنا بصورتها البشریة فهو تشریف لهذه التفاحة العظیمة بأنها حوت نور من نورها سلام الله علیها ...
لزجاجة کانها کوکب دری یوقد من شجرة مبارکة زیتونة لا شرقیة ولا غربیة .
إن نور محمد و علی علیهما و على آلهما أفضل الصلاة و السلام إنتقلت فی أصلاب الأنبیآء و الأوصیآء , لخصائص النبوة و الولایة , فکل نبی صار نبیا أو ولیا , لأن کان فیه رشفة من رشفات النور المحمدی العلوی , حتى و إن إفترق لابد له أن یعود , کما فی زیارة الأربعین نقرأ , (( کنتم نورا فی الاصلاب الشامخه والارحام المطهره لم تنجسکم الجاهلیة بانجاسها ولم تلبسکم المدلهمات من ثیابها))


و فاطمة الزهرآء سلام الله علیها لم تنتقل فی أصلاب الأنبیآء علیهم السلام بل بقى نورها الأقدس الأزهر فی خزائن الله , و عندما شاء الله أن یجتمع النور المحمدی العلوی مرة أخرى , أنزل الله عز و جل , تفاحة من الجنة لتکوین الجسد العنصری للزهرآء سلام الله علیها , فإن التفاحة هی رمز للزهرآء سلام الله علیها , هو عطر ولدها الحسین سید الشهدآء , عطر تفاحة حمرآء , هناک سر بین سید الشهدآء سلام الله علیها و بین أمه فاطمة الزهرآء سلام الله علیها , إنها سر التفاحة الحمرآء , فتکونت من تلک التفاحة التی هی فی أصل تکوینها من نور الزهرآئی لتکون وعآءا لتحمل الروح الفاطمی الأقدس , لتکون هی بدورها مجمع النورین المحمدی و العلوی , لتنقسم من جدید فی الحسن و الحسین علیهما السلام فصار فی الحسن النور النبوة المحمدیة فکان أشبه الناس برسول الله صلى الله علیه و آله الاطهار , وصار فی الحسین نور الولایة العلویة فکان أشبه الناس بأمیرالمؤمنین علی , فلذا لم تکن من ذریة المجتبى النبوة , لأن النبوة قد ختمت بجده الأعظم , و لهذا إستمرت الإمامة و الولایة فی ذریة أبی عبدالله الحسین علیه و على أبآئه و أبنائه افضل الصلاة و السلام ,و من هنا تعرف السر فی إشتراک بعض الفقرات فی زیارة أمیرالمؤمنین و أبی عبدالله الحسین , ومن هنا تعرف سر لماذا ان الولایة لونها أحمر , و النبوة لونها أبیض , اللؤلؤ و المرجان , هذا بإختصار ما یتبادر إلى ذهن هذا الفقیر . فی الحقیقة أن السیدة الزهراء موجودة من قبل وجود هذه التفاحة . و هذه التفاحة خلقت من نور من أنوار أهل البیت علیهم السلام ..یعنی التفاحة هی التی تشرفت بحمل نطفة سیدة نساء العالمین ..

و حقیقة ذهاب النبی صلى الله علیه و آله إلى الجنة لیأخذ هذه التفاحة ما هو إلا کرامة لسیدة نساء العالمین ...

لأن جمیع الأئمة علیهم السلام نزل جبرائیل بنطفهم إلى الأرض إما بعنب أو رمان أو أی شی من الجنة ..
فالکرامة هنا لسیدة النساء أی لعظمتها لم یستطع جبرئیل بحمل نطفتها و النزول بها إلى الأرض .و لعظمتها الرسول صلى الله علیه و آله هو بنفسه ذهب إلى الجنة من أجل التفاحة التی تحمل نطفة سیدة نساء العالمین ..و أیضا لأنه لا یصح لأحد بلمس السیدة الزهراء إلا رسول الله صلى الله علیه و آله ...

و أیضا کما قلت سابقا السیدةالزهراء موجودة من قبل وجود هذه التفاحة ..
فالکرامة هنا أیضا للجنة لأن النبی تشرف بدخولها و للتفاحة لنها حملت نطفة جدة الأطهار و الکرامة العظمى هی لسیدة النساء لأن النبی هو الذی ذهب إلى الجنة من أجل هذه التفاحة ..

و أیضا نطفة السیدة لا تحمل وجودها النورانی إنما وجودها البشری ...
لأنهم علیهم السلام :
سبقنا الأنام فلا قبلنا ***وجود فذاک مقام منیع
تعالى علانا فما فوقنا ***سوى من برانا فمنا الصنیع
فذا الخلق منا إلینا لنا ***علینا یکون حساب الجمیع
و ینفخ فی الصور من أمرنا ***و منا المنادی و منا السمیع
و یمکن القول ان الزهراء خلقت من الزهراء...
ولسائل یسال کیف
اعلم ان الائمة لهم مقامان مثلا
حینما ناتی الى عدد الانبیاء مثلا نقول 124000 نبی ومن ضمنهم طبعا رسول الله وحینما نسال من این خلقوا الانبیاء نقول من نور محمد صلوات الله علیه اذن فی مقام ما خلقوا وفی مقام الرسل هو معهم
فالزهراء من نورها خلقت هذه الثمرة التی کونت جسدها

و لكي لا أخلي المقام من فائدة , أذكر كلاما ذكره سيدنا روح الله الموسوي الخميني قدس الله روحه الزكية الطاهرة , هذا الإنسان الذائب في حب محمد و آل محمد صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين , و هو يتحدث عن زهرآء البتول سلام الله عليها , حقا كلمات لا تخرج إلا من فم فقيه خبير و محقق بصير و عارف جليل :

" في استقبال ذكرى مولد الزهراء عليها السلام، يقول الإمام:
غداً يوم ولادة الصدِّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، ويوم المرأة.
إنّ جميع الأبعاد الكماليّة المُتصوَّرة للمرأة، والمُتصوَّرة للإنسان قد تجلّت في فاطمة الزهراء سلام الله عليها. إنّها لم تكن امرأة عاديّة. بل كانت امرأة روحانيّة. امرأة ملكوتيّة. إنساناً بتمام معنى الإنسان. بكلّ الأبعاد الإنسانيّة. حقيقة المرأة الكاملة. حقيقة الإنسان الكامل. إنّها ليست امرأة عاديّة. بل موجود مَلَكُوتي قد ظهر في العالم في صورة إنسان. موجود إلهي جبروتي ظهر بصورة امرأة.
غداً يوم المرأة.
كلّ الحقائق الكماليّة التي تتصوّر في الإنسان وفي المرأة تتجلّى في هذه المرأة.
جميع خواصّ الأنبياء موجودة فيها.
إمرأة لو كانت رجلاً لكانت نبيّاً. لو كانت رجلاً لكانت مكان رسول الله.
بتربية رسول الله صلّى الله عليه وآله (...) وصلت إلى مرتبة تقصر عنها أيدي الجميع.
المعنويّات. التجلّيات الملكوتيّة. التجلّيات الإلهيّة. التجلّيات الجبروتيّة. التجلّيات المُلكيّة والناسوتيّة، كلّها مجتمعة في هذا الموجود.
للمرأة والرجل أبعاد مختلفة. هذا الشكل الصوري الطبيعي أسفل مراتب الإنسان.. أسفل مراتب الرجل، وأسفل مراتب المرأة.
ومن هذه المرتبة النازلة والسفلى تبدأ الحركة باتّجاه الكمال، فالإنسان موجود متحرِّك من مرتبة الطبيعة إلى مرتبة الغَيْب، وحتّى إلى الفناء في الأُلوهيّة، وهذه المعاني متحقّقة بالنسبة إلى الصدِّيقة الطاهرة (...).
بتربية رسول الله صلّى الله عليه وآله (...) وصلت إلى مرتبة تقصر عنها أيدي الجميع.."

و هناك كلمات أخرى يتحدث فيها عن مقامات الزهرآء سلام الله عليها تجدونها في هذا الموقع :
http://saraer.org/essaydetails.php?eid=162&cid=390

فإن كان مثل هذا الخبير الغواص في علوم آل محمد صلوات الله و سلامه عليه يعترف بعجزه عن التكلم في مقامات فاطمة الزهرآء سلام الله عليها , حينما طلبت منه زوجة ولده أحمد رضوان الله عليه أن يتكلم لها عن مقامات الزهرآء سلام الله عليها , فكيف بمثلي , و أنى لمثلي أن يكون له ذلك القدر :

"
طلبت السيّدة فاطمة الطباطبائي زوجة المرحوم السيّد أحمد الخميني من الإمام الخميني أن يكتب لها حول مقام مولاتنا السيّدة فاطمة الزهراء عليها السَّلام، فكتب عليه الرحمة والرضوان:

«إبنتي العزيزة فاطمة..
تريدين من عجوز بائس، خالي الوفاض من المعارف والمعالم الإلهيّة، ما لا يستطيع العرفاء الكبار والفلاسفة العظام الاقتراب منه.
وماذا يستطيع المرء أن يقول أو يدرك حول شخصيّة تتمتّع بآلاف الأبعاد الإلهيّة، يعجز عن تبيان كلٍّ منها القلم واللّسان؟!
إنّه ليس بوسع أحد أن يعرف شخصيّة الزهراء المرضيّة والصدِّيقة الطاهرة عليها السلام، سوى الذين ارتقوا مدارج الأبعاد الإلهيّة حتّى ذروتها، وهو ما لم يبلغه سوى أُولي العزم من الأنبياء والخُلّص من الأولياء، كالمعصومين عليهم صلوات الله.

ليس بوسع أحد أن يعرف شخصيّة الزهراء عليها السلام، سوى الذين ارتقوا مدارج الأبعاد الإلهيّة حتّى ذروتها، وهو ما لم يبلغه سوى أُولي العزم من الأنبياء والخُلّص من الأولياء، كالمعصومين عليهم صلوات الله.
كيف لي ولقلمي ولغةِ البشر، الحديث عن سيّدة كانت تَسْتنزِل جبرائيل، كمثل أبيها، بقدرة ما فوق الملكوت.

إنّها ظاهرة من مرتبة الغيب الأحديّة، ومُتجلّية حتّى آخر نقطة شهوديّة، ودائرة من أدنى مرتبة الشهود إلى مرتبة إعلاء الغيب (المتيّم) كحال الخلّص الأولياء عليهم سلام الله، ويُخطئ مَن يدَّعي معرفة مقامها المقدَّس من العرفاء أو الفلاسفة أو العلماء. وكيف يُمكن إماطة اللّثام عن منزلتها الرفيعة، وقد كان رسول الإسلام يتعامل معها في حال حياته معاملة الكامل المطلق!!.
إنّك تطلبين منّي أن أتحدّث وأكتب عن هذه السيّدة العظيمة، فكيف لي ولقلمي ولغةِ البشر، الحديث عن سيّدة كانت تستنزل جبرائيل، كمثل أبيها، بقدرة ما فوق الملكوت، من غيب عالم الملكوت إلى عالم المُلك، وتجعل ما في الغيب ظاهراً في الشهادة! فدعيني إذاً أجتاز هذا الوادي المريع، وأقول بأنّ فاطمة عليها السلام، والتي هي هكذا في المراحل الإلهيّة الغيبيّة، قد ظهرت في عالم الشهادة وتجسَّدت كأبيها وبعلها في صورة بشر ظاهر، لتؤدّي دورها ورسالتها في شؤون عالم المُلك كافّة من تعليم وتعلُّم، ونشر للثقافة الإسلاميّة، ومعارضة للطواغيت، وجدٍّ من أجل قيام حكومة العدل، وإحقاق حقوق البشريّة، ودحض وتفنيد الدعاوى الشيطانيّة..»."

حقيقتا أفضل حيدث أستشهد بها في هذا المقام هو الحديث المروي عن إمامنا الصادق عليه أفضل الصلاة و السلام :
" (محمد بن القاسم بن عبيد معنعنا عن أبى عبد الله عليه السلام أنه قال إنا أنزلناه في ليلة القدر الليلة فاطمة والقدر الله فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها) (بحار الأنوار ج43 ص65 رواية58 باب3)"

و شکرا لکم و نسألکم خالص الدعآء

یـــــا عــــــــــــلـــــــــــــی



ليست هناك تعليقات: