زيارة عاشورآء القدسية


الأربعاء، 15 يونيو 2011

أهل البيت عليهم السلام محال مشيئة الله عز و جل

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد الأطيبين الأطهرين
و اللعنة الدآئمة الوبيلة على أعدآئهم و ظالمهيم أجمعين

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


كنت قد جمعت روايات في هذا المعنى , خصوصا و قد كانت هناك مواضيع طرحت أخيرا , فقامت تضرب بهذه الروايات عرض الجدار بشبهة واهية في نظري , رأيت أن أحتفظ بها في هذا المكان تبركا , لكي أتدبرها بين الحين و الآخر لا سيما و أن في طياتها معاني عميقة جدا , و لكن لا يتحصلها من لا يصفي قلبه و يُسلم لمحمد و آل محمد صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين , و هذه بعض تلكم الروايات الشريفة :


أهل البيت عليهم السلام أنهم محال مشيئة الله و ما يشاؤون إلا ما شاء الله , بتعبير أدق إرادتهم لا تتخلف عن إرادة الله و مشيئته , " و ما تشاءون إلا أن يشاء الله " , و كما قال أمير المؤمنين سلام الله عليه في خطبته يوم الغدير في مسجد الكوفة على رواية شيخ الطائفة الطوسي في كتابه الشريف مصباح المتهجد " جعلهم تراجم مشيئته و ألسن إرادته " أي أن إرادته تعالى تنطق بهم فقولهم قوله تعالى , و فعلهم فعله عز و جل , " ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى " , و هو معنى قولهم " نحن محال مشيئة الله " و كذلك شاهدا على هذا الأمر موقف الإمام الحسين صلوات الله و سلامه عليه في جوابه على أخيه محمد بن الحنيفية رضوان الله عليه , " شاء الله أن يراني قتيلا " , و كذلك ما جاء عنهم صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين " نحن محال مشيئة الله " كما عن أبي الحسن الثالث عليه السلام أنه قال : " إن الله تبارك و تعالى جعل قلوب الأئمة عليهم السلام موارد لإرادته , و إذا شاء شيئا شاءوه , و هو قوله تعالى (و ما تشاءون إلا أن يشاء الله ) " و في زيارة الحجة عليه السلام عن أبي جعفر محمد بن عثمان العمري رضوان الله عليه : " مجاهدتك في الله ذات مشيئة الله , و مقارعتك في الله ذات إنتقام الله , و صبرك في الله ذو أناة الله , و شكرك لله ذو مزيد الله و رحمته " و فيها بعد هذا " و القضاء المثبت ما استأثرت به مشيئتكم , و الممحو ما لا استأثرت به سنتكم " بحار الأنوار ج 91 ص 36 ح 23 باب 28 .
و كذلك ما جاء في الزيارة التي رواها إبن طاووس و الشيخ محمد بن مشهدي , الشيخ المفيد رضوان الله عليهم في الثناء على أهل البيت عليهم السلام الذين هم أهل هذه المرتبة التي نحن بصدد بيانها , و فيها : " لا يسبقكم ثناء الملائكة في الإخلاص و الخشوع , و لا يضادكم ذو إبتهال و خضوع , أنى و لكم القلوب التي تولى الله رياضتها بالخوف و الرجاء , و جعلها أوعيته للشكر و الثناء , و أمنها من عوارض الغفلة و صفاها من شواغل الفترة , بل يتقرب أهل السماء بحبكم و بالبراءة من أعدآئكم و تواتر البكاء على مصابكم , و الإستغفار لشيعتكم و محبيكم ... الخ . " و كذلك ما ورد ذكره في خطبة أمير المؤمنين سلام الله عليه يوم الغدير و الجمعة في الثناء على النبي الأكرم صلى الله عليه و آله الأطهار , ما رواه الشيخ في المصباح , قال عليه السلام : " و أشهد أن محمداً عبده و رسوله , استخلصه في القدم على سائر الأمم , على علم منه به , انفرد عن التشاكل و التماثل من أبناء الجنس , و أتمنه آمراً ناهيا عنه , أقامه في سائر عالمه في الأداء مقامه , إذ لا تدركه الأبصار , و لا تحويه خواطر الأفكار , و لا تمثله غوامض الظنن في الأسرار , لا إله إلّا هو الملك الجبار , قرن الإعتراف بنبوته بالإعتراف بلاهوتيته , و اختصه من تكرمته بما لم يلحقه في أحد من بريته , فهو أهل ذلك بخاصته و خلته , إذا لا يختص من يشوبه التغيير و لا يخالل من يلحقه التظنين ... الخ ."
جاء في زيارة الإمام الحسين عليه السلام المروية عن الإمام الصادق عليه السلام :

{
إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم ، وتصدر من بيوتكم }البحار-ج101ص151

و في خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام :
وأشهد أن محمداً , صلى الله عليه وآله عبده ورسوله استخلصه في القدم على سائر الإمم , على علم منه انفرد عن التشاكل والتماثل من أبناء الجنس , وانتجبه آمراً وناهياً عنه ,
أقامه في سائر عالمه في الأداء مقامه "

و جاء في الدعاء في الصحيفة الحسينية الكاملة( تأليف الخطيب الأديب والشاعر اللبيب , العلامة السيد مهدي السيد محمد السويج الأحسائي ):

" اللهم منك البدء , ولك المشيئه , ولك الحول , ولك القوة , وأنت الله الذي لا إله إلا أنت ,
جعلت قلوب أوليائك مسكناً لمشيئتك , ومكمناً لإرادتك , وجعلت عقولهم مناصب أوامرك ونواهيك , فأنت إذا شئت ما تشاء , حركت من أسرارهم كوامن ما بطنت فيهم , وأبديت من إرادتك على ألسنتهم ما أفهمتهم به عنك في عقولهم , بعقول تدعوك , وتدعو إليك بحقائق॥ الخ"
شبهة و جواب عليها :

قال المخالف :
"

إن أية (عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ) و (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ، الغرض من الاستشهاد بهما هو توضيح كذب المقولة ان مشيئة المعصوم لاتخالف مشيئة الخالق ، إذ تُبيّن هذه الايات ان الله عزوجل شاء شيئاً والرسول (لم يعلم) بتلك المشيئة ففعل شيئاً آخر.
"

جواب الشبهة :

بشأن آية التحريم .
أولا أننا تعلمنا بأن القرآن الكريم يتكلم بأساليب مختلفة منها إسلوب " بإياك عني و إسمعي يا جارة " و أساليب أخرى عديدة , و هذه الأساليب لا تخفي على الفطين , و لتوضيح ما أتبناه من رأي سأذكر الآيات الكريمات أولا , ثم أذكر الروايات ثانيا , و لكن قبل البدء أود القول بأني على منهج معين في فهم القرآن الكريم و هو أني آخذ بقول المفسر العالم المُتقي ما كان تفسيره موافقا و قريبا لقول محمد و آل محمد صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين , و أرفض ظاهر قول المفسر كلما بَعُد عن قول محمد و آل محمد صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين بكليته , و لا أستثني أحدا سواء كان القائل السيد الطباطبائي رضوان الله عليه أو السيد الخوئي قدس سره أو الشيخ الطوسي رضوان الله عليه أو الشيخ الطبرسي قدس سره و أضرابهم , فإن قول محمد و آل محمد صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين مُقدّم عندي من قولهم ما دام لا يكون هذا الكلام مخالف قطعي للقرآن الكريم بظاهره على الأقل إن لم يكن لها مخرج ممكن و صحيح , و لا مجال عند ذلك للإعتراض بكيفية عرض الروايات على القرآن الكريم , فمع الأسف بعض مفسرينا الكرام قد فسّروا بعض الآيات بصورة غريبة جدا يكاد الإنسان أن لا يصدق نفسه و هو يرى بأن مثل هذا الكلام صادر عن علماء كبار مع جلالة قدرهم و الحال أن الروايات التي كانت قد وردت في شأنها لهي كالماء البارد للضمآن في يوم حار مُبينة لتفسيرها و مصداقها و مع ذلك كله و للأسف لم يلتفتوا إليها , و لكن نقول أن لكل فارس كبوة , رضوان الله على علماءنا الكرام الأبرار .

أما الجواب الذي أتبناه
لنقرأ الآيات الاولى من سورة التحريم المباركة :
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ و الله غفور رحيم
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ
إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ
عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا

الفهم الذي يعترض به المُعترض علي ملخصه , هو أن رسول الله صلى الله عليه و آله الأطهار حرّم على نفسه مارية القبطية على ما كانت من دسيسة عائشة و حفصة من تلقاء نفسه دون الرجوع الى الله تعالى , و الله عز و جل عاتبه على ذلك و أمره بتكفير يمينه .
فقال المعترض بأن هذه الآيات صريحة في مخالفة النبي لمشيئة الله عز و جل .
و الجواب عليه :
هل من المعقول أن الله عز و جل يُخبر نبيه الأكرم الأعظم صلى الله عليه و آله الأطهار بدسيسة عائشة و حفصة و يخبره عن نواياهما , فيأتي النبي صلى الله عليه و آله و بعد إخبار الله عز و جل له عن هذه الدسيسة فيُحرّم مارية على نفسه , و هذا التحريم يكون من تلقاء نفسه دون الرجوع إلى الله عز و جل ؟ هل يُعقل هذا الكلام أصلا في حق النبي صلى الله عليه و آله , أليس قوله و فعله مسدد من قبل الوحي , ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى , فكيف و قد أخبره الله عز و جل ؟ فياتي و من عند نفسه لا من عند الله يُحرم المارية القبطية هكذا إشتهاءا ؟؟؟؟؟
أصلا لو نرجع إلى بقية الآيات يتضح الأمر أكثر لنقرأ :
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ
خصوصا هذه الفقرة : " وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ " أي أن الرسول صلى الله عليه و آله أظهر شيئ مما أخبره الله عز و جل و أضمر شيئ لم يظهره من هذا الإخبار و هنا نكتة لطيفة جدا , بأن عمل رسول الله صلى الله عليه و آله إنما كان على مقتضى حكمة , و ما كان تحريمه للمارية على نفسه إلا ليظهر أمرا معين لإظهار دسيسة عائشة و حفصة و أبويهما لما كانوا يحوكانه من خطة لقتله صلى الله عليه و آله , فهو بذلك أبدى لهم علمه بمرادهم على نحو الكناية , و هذا ما يصرح به المُستفاد من بعض من الروايات الشريفة , كيف و نحن نرى هذا التأييد الأكيد لرسول الله صلى الله عليه و آله الأطهار تتلى بعد هذه الآية التي زعم المخالف أن فيها ما يشير إلى أن رسول الله صلى الله عليه و آله خالف مشيئة الله عز و جل , و الله يؤيده بعد أيتين بمثل هذه الآية : " إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ " و ما بعده من الآيات كلها تقريع في هتين الزوجتين " عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا " .
في آية يتم تقريع النبي الأكرم صلى الله عليه و آله بأنه حرم على نفسه بعض أزواجه و الأولى أن يبتغي مرضاتهن , و في آيتين بعد ذلك يُهددهن بالطلاق , هل هكذا تفهمون القرآن الكريم ؟؟؟؟؟ فعل النبي الأكرم صلى الله عليه و آله في تحريم المارية على نفسه كان على علم و حكمة كما تشير الآيات التي تليها صريحا بأن رسول الله صلى الله عليه و آله الأطهار كان على علم بدسيسة عائشة و حفصة , و إنما فعله كان لأجل إظهار أنه على علم عن ما يحوكانه و أبويهما من دسائس .

و هذا العمل , أي التحريم و التحلة , ليس عملا تناقضيا إن كان ذلك لأجل حكمة معينة , حتى يأتي معترض ليعترض أن كيف يقول الله عز و جل له مثلا حرّم مارية على نفسك , ثم يقول له كفّر عن تحريمك لها في آية أخرى , فعلين متناقضين , و الجواب عليه بسيط , إذ أن رسول الله صلى الله عليه و آله الأطهار يأتمر بأمر ربه , فكما حارب و جاهد الكفار في بدر و أحد , صالحههم في الحديبية , الحرب و الصلح كل ذلك بأمر من ربه فلا نقيض بين الأمرين إذا كان كلاهما على الحكمة .
و ذلك كما قد سنرى في آية " عفى الله عنك لم أذنت لهم " بأن بعد ثلاث آيات أن هذا الإذن و هذا الفعل كان هو ما أراده الله عز و جل فقال تعالى شأنه و تقدس " و لكن كره الله إنبعاثهم فثبّطهم ", كما قضية تحريم مارية " لم تُحَرِّم " كانت مقدمة للقول " عسى ربه إن طلقكن " , و الرسول صلى الله عليه و آله الأطهار أظهر شيئ مما كان قد أمره الله عز و جل و أخبره و أضمر أشياء أخرى .

فلو نرجع مثلا لتفسير البرهان الشريف للعلامة المحدث السيد هاشم البحراني رضوان الله عليه , نقرأ :
10859/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: أخبرنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ، قال: «اطلعت عائشة و حفصة على النبي (صلى الله عليه و آله) و هو مع مارية، فقال النبي (صلى الله عليه و آله): و الله لا أقربها، فأمر الله أن يكفر عن يمينه».
10860/ [5]- ثم قال علي بن إبراهيم: كان سبب نزولها أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان في بعض بيوت نسائه، و كانت مارية القبطية معه تخدمه، و كان ذات يوم في بيت حفصة، فذهبت حفصة في حاجة لها، فتناول رسول الله (صلى الله عليه و آله) مارية، فعلمت حفصة بذلك، فغضبت و أقبلت على رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و قالت: يا رسول الله، هذا [في‏] يومي، و في داري، و على فراشي! فاستحيا رسول الله (صلى الله عليه و آله) منها، فقال: «كفي فقد حرمت مارية على نفسي، و لا أطأها بعد هذا أبدا، و أنا أفضي إليك سرا، فإن أنت أخبرت به فعليك لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين». فقالت: نعم، ما هو؟ فقال: «إن أبا بكر يلي الخلافة من بعدي، ثم من بعده عمر أبوك». فقالت: من أخبرك بهذا؟ قال: «الله أخبرني».
فأخبرت حفصة عائشة من يومها بذلك، و أخبرت عائشة أبا بكر، فجاء أبو بكر إلى عمر، فقال له: إن عائشة اخبرتني عن حفصة كذا، و لا أثق بقولها، فسل أنت حفصة، فجاء عمر إلى حفصة، فقال لها: ما هذا الذي أخبرت عنك عائشة؟ فأنكرت ذلك، و قالت: ما قلت لها من ذلك شيئا. فقال لها عمر: إن كان هذا حقا فأخبرينا حتى نتقدم فيه؟ فقالت: نعم، قد قال ذلك رسول الله. ( ملاحظة دقيقة جدا : هذه الفقرة من قول عمر لعنة الله عليه تبين و تؤكد ما ورد عن إمامنا صاحب العصر و الزمان عجل الله فرجه الشريف , بأنهما أي الشيخين أسلما طمعاً كونهما كانا على علم عن طريق اليهود بأن هذا النبي الموعود صلى الله عليه و آله هو يملك رقاب العرب )
فاجتمع أربعة على أن يسموا( توضيح : يُسِمّوا من التسميم بالسمّ ) رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فنزل جبرئيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه و آله) بهذه السورة ( قال بهذه السورة و لم يقل هذه الآية فقط و إنظر من أين إبتدأت الآيات و إلى أين إنتهت لتعرف التحريم كان مقدمة لإظهار شيئ آخر , و إنما نزلت هذه الآيات لأجل أن يُظهر على رسول الله صلى الله عليه و آله الأطهار بدسائس عائشة و حفصة و أبويهما في ما يحوكانه من قتل و تسميم رسول الله صلى الله عليه و آله الأطهار ) : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ يعني قد أباح الله لك أن تكفر عن يمينك وَ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ [أي أخبرت به‏] وَ أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ يعني أظهر الله نبيه على ما أخبرت به و ما هموا به من قتله عَرَّفَ بَعْضَهُ أي أخبرها (تبيان : أخبر عن بعض و أعرض عن بعض ) و قال: «لم أخبرت بما أخبرتك به؟».
إستشهاد قرآني آخر :
قال تعالى شأنه و تقدس :

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ الَّلاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ الَّلاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا
تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا

هذه الآيات صريحة بأن رسول الله صلى الله عليه و آله يستطيع عزل و إرجاء من شاء من نساءه و إن الله عز و جل هو الذي أذن له في ذلك , و بالنظر إلى الشبهة المثارة حول آية سورة التحريم , فأي إختلاف في المشيئتين يتغنى به المعترض , فليس هناك أي تخلّف في ما بين المشئيتين بل كلاهما متطابقة .

ثم لك أن تتدبر في الربط و التواثق فيما بين "
تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ " الواردة في سورة التحريم المباركة , و بين " أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ" الواردة في سورة الأحزاب , حتى تعرف أن لا إثنينية في البين .
قول العلامة الطباطبائي في ميزانه في تفسيره للآية الكريمة :
قوله تعالى: «ترجي من تشاء منهن و تؤوي إليك من تشاء» إلخ، الإرجاء التأخير و التبعيد، و هو كناية عن الرد، و الإيواء: الإسكان في المكان و هو كناية عن القبول و الضم إليه.
و السياق يدل على أن المراد به أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) على خيرة من قبول من وهبت نفسها له أو رده.
و قوله: «و من ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك»، الابتغاء هو الطلب أي و من طلبتها من اللاتي عزلتها و لم تقبلها فلا إثم عليك و لا لؤم أي يجوز لك أن تضم إليك من عزلتها و رددتها من النساء اللاتي وهبن أنفسهن لك بعد العزل و الرد.
و يمكن أن يكون إشارة إلى أن له (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقسم بين نسائه و أن يترك القسم فيؤخر من يشاء منهن و يقدم من يشاء و يعزل بعضهن من القسم فلا يقسم لها أو يبتغيها فيقسم لها بعد العزل و هو أوفق لقوله بعده: «و من ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى - أي أقرب - أن تقر أعينهن - أي يسررن - و لا يحزن و يرضين بما آتيتهن كلهن و الله يعلم ما في قلوبكم» و ذلك لسرور المتقدمة بما قسمت له و رجاء المتأخرة أن تتقدم بعد.
و قوله: «و كان الله عليما حليما» أي يعلم مصالح عباده و لا يعاجل في العقوبة.
و في الآية أقوال مختلفة أخر و الذي أوردناه هو الأوفق لوقوعها في سياق سابقتها متصلة بها و به وردت الأخبار عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كما سيجيء.
قوله تعالى: «لا يحل لك النساء من بعد و لا أن تبدل بهن من أزواج و لو أعجبك حسنهن» إلخ، ظاهر الآية لو فرضت مستقلة في نفسها غير متصلة بما قبلها تحريم النساء له (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا من خيرهن فاخترن الله و نفي جواز التبدل بهن يؤيد ذلك.
لكن لو فرضت متصلة بما قبلها و هو قوله: «إنا أحللنا لك» إلخ، كان مدلولها تحريم ما عدا المعدودات و هي الأصناف الستة التي تقدمت. إنتهى ما أردنا من نقل قوله قدس الله سره الشريف

و قيل أيضا جوابا على هذه الشبهة ببيان آخر , أذكره لأجل الفائدة , بغض النظر عن مدى موافقتي أو مخالفتي له , و لكنه بيان فيه لطائف عديدة و مفيدة :
" ليس المراد بالتحريم هنا أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) شرع على نفسه الحرمة مقابل ما شرع الله له من الحلية فهذا ما لم يكن.. بل يعني أنّه منع على نفسه ما هو حلال له وأوجبه بالحلف. وهذا ليس تشريعاً ولا قبيحاً فان تحريم المرء ما هو حلال له بسبب من الأسباب او لغير سبب ليس حراماً ولا من جملة الذنوب.. مع أنه قد يقال لتارك النَفل لمَ لَم تفعله مع كونه نفلاً؟ وبقرينة (( تبتغي مرضاة أزواجك )) يظهر ان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قام بعمل مما أحل الله له فآذاه بعض أزواجه وضيقن عليه وألجأنه بسبيل إرضائهن على ان يحلف لهن بتركه وعدم فعله بعد ذلك والمسؤولية في هذا تتوجه إليهن في الحقيقة فهن من حملنه على ما ليست لهن بحق. ويؤيد ذلك قوله تعالى: (( ان تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه )) (التحريم:4).
ويومئ إلى ذلك إنّ الله تعالى حين أمر نبيّه أن يتحلل من يمينه في قوله: (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم)، ختمها بقوله
(( والله مولاكم وهو العليم الحكيم )) (التحريم:2) فهي تشعر بالنصرة له (صلى الله عليه وآله الأطهار) وبيان علم الله وحكمته التي كانت وراء أمره له. "

و بما أن الكلام وصل إلى هنا , يعجبني أن أذكر للقارئ المؤمن , بأن القرآن الكريم لا بُد و أن يُفهم عن طريق أهل بيت العصمة و الطهارة سلام الله عليهم أجمعين , و من الجميل أن أذكر في هذه النقطة روايات :عن جابر قال: «سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام عن شيء في تفسير القرآن، فأجابني، ثمّ سألته ثانياً فأجابني بجواب آخر، فقلت: جُعلت فداك كنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم؟ فقال عليه السلام لي: يا جابر إنّ للقرآن بطناً، وللبطن بطن، وله ظهر وللظهر ظهر، يا جابر وليس شيءٌ أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن...» تفسير العياشي ج1 ص87، الحديث 39.و مثله بلفظ آخر :يا جابر إن للقرآن بطناً وللبطن بطنٌ وله ظهْر وللظهر ظهرْ، يا جابر ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إن الآية يكون أوّلها فى شىءٍ وآخرها فى شىءٍ وهو كلام متصل متصرّف علي وجوهٍ .و حتى الروايات أيضا ليست على نسق واحد , و فيها مراتب و مراتب للمعرفة , و هنيئا لمن يُوفق لها :عن عبد الله بن سنان عن ذُريح المحاربي قال: «قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: إنّ الله أمرني في كتابه بأمر، فأحبّ أن أعمله.قال: وما ذاك؟
قلت: قول الله عزّ وجلّ: (ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ).قال: (لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) لقاء الإمام (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) تلك المناسك.قال عبد الله بن سنان: فأتيت أبا عبد الله الصادق عليه السلام فقلت: جُعلت فداك، قول الله عزّ وجلّ: (ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) قال: أخذ الشارب وقصّ الأظفار وما أشبه ذلك.قال: قلت: جُعلت فداك إنّ ذريح المحاربي حدّثني عنك بأنّك قلت له: (لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) لقاء الإمام ... فقال: صدق ذريح وصدقت. إنّ للقرآن ظاهراً وباطناً، ومن يحتمل ما يحتمل ذريح» فروع الكافي ج4 ص549، كتاب الحجّ، أبواب الزيارات، باب إتباع الحجّ بالزيارة، الحديث: 4. و علّق الفيض الكاشاني على هذه الرواية بقوله: «هذا الحديث ممّا يختصّ بحال الحياة، وجهة الاشتراك بين التفسير والتأويل هي التطهير، فإنّ أحدهما تطهيرٌ من الأوساخ الظاهرة، والآخر من الجهل والعمى».

و من الجدير بالذكر القول بأن
كثيراً مما خوطب به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في القرآن مما لا يناسب مقامه أو ما هو مفروض فيه كرسول علماً وتوحيداً وعصمةً لا يقصد به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه وإنّما الناس ولذلك ورد في الحديث عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعن الامام الصادق (عليه السلام) قال: (إنّ الله تعالى بعث نبيّه بإياكَ اعني واسمعي يا جارة، فالمخاطبة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمعنى للناس).
وذكروا في الأمثلة قوله تعالى:
(( لا تدع مع الله إلهاً آخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً )) (الاسراء:39) ، وقوله تعالى: (( يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين )) (الاحزاب:1) فهما مما لا يمكن ان يصدرا عنه بحكم علمه وعصمته.
وقوله تعالى على سبيل الأخبار:
(( ولو تقول علينا بعض الأقاويل* لأخذنا منه باليمين* ثم لقطعنا منه الوتين )) (الحاقة:44ـ46) فانّ القصد فيها ان يعلم الناس أنّه لا يمكن ان يفعل ذلك لا تجويز المنقول عليه حاشاه।

أما المحور المتعلق بقول أن الرسول صلى الله عليه و آله بشر و قد أخبر الله بعدم علمه في مواضع شتى . واقعا قد تنطلي على القارئ هذه المسئلة , لكونها شبهة و إنما سميت الشبهة شبهة لأنها باطل تلبس بلباس الحق فيشتبه على الناس , و هذا الكلام صحيح في ظاهره و لكن الإستشهاد و الإستدلال الذي يستنتجه منها خاطئ بالمرة , و هو يأتي بقول السيد الطباطبائي قدس سره في الميزان ليستقوي به, و سنأتي إلى قول العلامة و نبحث رأيه في ميزانه , و لكن لننتقل حبة حبة في بيان تخبطات المخالف :
قال المخالف :
اضف الى ذلك ان القرآن نفسه نزل معاتبا النبي فكيف يعاتبه اذا كان هذا العلم منسوب الى الله عزوجل ، فكأنك تقول ان الله يأمره بشيء ثم يعاتبه عليه :

عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ [التوبة : 43]
الجواب عليه :
هذا الإسلوب هو نفسه الذي أقول لكم بأنه إسلوب اخرق أعوج , و الذي يقرأ القرآن الكريم بشكل إنتقائي و غير دقيق . و حقيقة الامر هو أنه لم يختلف مشيئة الرسول صلى الله عليه و آله عن مشيئة الله عز و جل في هذا الموضع و غيرها من المواضع بل تطابقت مشيئته مشيئة الله عز و جل كما سنبين لك ذلك , و القرآن فيه خطابات و تلميحات , لا يفهما و لا يعرفها من لا يستضيئ بمصباح نور أهل بيت العصمة و الطهارة صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين , فهذا العتاب ليس موجه لشخص النبي صلى الله عليه و آله , بقدر ما هو تقريع لهؤلاء الصحابة , فالإسلوب إسلوب بإياك أعني و إسمعي يا جارة , و الله عز و جل هو الذي أراد أن لا يخرجوا هؤلاء مع المؤمنين , لنقرأ الآيات الكريمة لنعرف هل خالفت مشيئة الرسول صلى الله عليه و آله مشيئة الله عز و جل , لنقرأ الأيات :
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ
لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ
إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ
وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ
لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ
لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ
وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ

هل رأيت يا عزيزي القارئ , الله عز و جل كره إنبعاثهم فثبطهم و ليس إذن رسول الله صلى الله عليه و آله كان مورد العتاب , هل رأيت كيف يتم تمويهك و إضلالك , هذه إحدى أساليب القرآن الكريم , و لكن الذي لا يرجع لأهل البيت عليهم السلام , سيضل و يُضل




أما أن يعترض المعترض بقوله :
"
ان الايات :

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [التحريم : 1]
عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ [التوبة : 43]لو كان فيها فعل النبي كما يريده الله فعلام يعاتب الله نبيه على فعلته ؟ هذا نسب القبح لله عزوجل انه يعاتب على مشيئته ولايصح نسب هذا الشيء الا الى المجنون فكيف يُنسب الى الله عزوجل ؟هذا مثل ان يقول زوج لزوجته اريد كوبا من الماء فتأتي له بكوب ماء فيقول لها ليش جبتيلي ماء ؟ فمن حقها ان تقول له هل جُننت يارجل انت طلبت مني كوب ماء.


فمن اجل الغلو بالنبي اصبحنا نُنسب القبيح الى الله عزوجل. فلاحول ولاقوة إلا بالله.
"

الجواب على هذه شبهة :
إنهم قد جعلوا القرآن عضين , فيأخذون منه ما يشاؤون و يدعون منه ما لا يتماشى مع ما يريدون , هناك آية في القرآن الكريم تُبين هذا التخبط للمُعترض , مع أن في ما تقدم من الكلام الإجابة الوافية على إعتراضه لو تدبّر , الآية التي نستشهد بها هنا هي :


" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "


فهو يجب أن يعترض أولا على الله عز و جل , أن كيف يا رب العالمين في آية تأذن لرسول الله صلى الله عليه و آله بأن يعزل و يرجي من زوجاته من شاء منهن , و في آية تلومه و تؤنبه عن لماذا يحرمها على نفسه و لا يبتغي مرضاتهن .
أو لماذا يا رب العالمين في آية تقول لرسولك الأكرم صلى الله عليه و آله , " إئذن لمن شئت منهم " و في آية أخرى تؤنبه و تقول لرسولك الأعظم صلى الله عليه و آله " عفى الله عنك لم أذنت لهم "

هكذا أنتم تفهمون القرآن , لا علم و لا فهم و لا حتى تدبر , و لا تأخذون من آل محمد صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين , بل تفرحون بأقوال الرجال أكثر من أن تسأتنسوا بكلام أهل البيت عليهم السلام .
ضيعتم حظكم في حياة الدنيا و في الآخرة إنكم لمن الخاسرين فلا فلحتم و لا هديتم

آية أخرى وشبهة آخرى و جواب آخر :
سئلني أحد الإخوة أن أبين له باقي الآيات التي إستشهد بها المُعترض في نفيه العلم عن رسول الله صلى الله عليه و آله الأطهار , و بيان ما إلتبس من الفهم فيما يتعلق بهذه القضية , و ما وردنا عن أهل البيت عليهم السلام .
و من الآيات التي طلب مني أن أبين له اللبس الحاصل فيه هي :
"
قال تعالى {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ }التوبة 101 "الجواب عليه :لا بد و أن نعلم أن للقرآن الكريم أساليب بلاغية مختلفة للبيان و الخطاب و الإشارة , كما مر علينا إسلوب " بإياك أعني و إسمعي يا جارة " و غيرها من الأساليب البلاغية للبيان و الإشارة .الآن لو نتدبر هذه الآية الكريمة لنرى الخطاب لمن كان و هي آية واحدة و كلام مُتصل واحد :
"
و ممن حولكم من الأعراب منافقون و من أهل المدينة مردوا على النفاق " من الواضح جدا أن الخطاب هنا كان لأهل المدينة و فجأة و في نفس الآية إنتقل الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه و آله " لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم " .
لندرس الآية أولا , الآية بصدد القول بأن هناك منافقين , و طرحت قضية النفاق الموجود في المدينة , فنحن لو أخذنا نفس هذه القضية أي قضية النفاق الموجود و ذهبنا إلى سورة الأنفال آية 60 , و لنقرأ الآيات من الآية 56 إلى أن نصل إلى آية 60 حتى نفهم الآية و خطاباتها بصورة جيدة :
الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ
وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ
وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ
وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُون
لنأخذ الآية 60 و نسلط عليها الضوء :وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ
أريد أن أُلفت نظر القارئ الكريم ليتدبر معي هذه الآية الكريمة , "وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ " السؤال لمن نُعد هذا العتاد ؟ الجواب في الآية السابقة " وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ " أي أن على المؤمنين أن يعدّوا العتاد لإرهاب هؤلاء الكفار " تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ " , و لكن هل الكفار وحدهم يجب أن يُرهبون بمثل هذا العتاد ؟ لا , لأن الآية قالت " وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ " من هم هؤلاء الآخرين الذين هم من دون الكفار ؟ و من هم هؤلاء الذين " لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ " الجواب هم أولاء المنافقين كما في آية سورة التوبة 101 , عندما كان الخطاب لأهل المدينة و فجأة إنتقل الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه و آله الأطهار " وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ " الخطاب كان لأهل المدينة لتقول لهم أن هناك منافقين و هؤلاء المنافقين غير معلومين لدى المسلمين " وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ " و المنافقين إنما هم مخفيين عن الناس و لا يخفون عن رسول الله صلى الله عليه و آله الأطهار , كيف يخفى على رسول الله صلى الله عليه و آله الأطهار حال المنافقين , و هو يرى أعمالهم و هو الشاهد على أفعالهم و قلوبهم , يقول الله عز و جل يقول في كتابه الكريم " وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ " هذه الرؤية الإحاطية , و كيف يخفى عليه حالهم و الله عز و جل يقول في كتابه " وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ " أليس هو بأبي هو و أمي صلى الله عليه و آله أفضل المتوسمين " تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ " , اليس عشرات الآيات الكريمات في القرآن الكريم تؤكد مقام الشهادة لرسول الله صلى الله عليه و آله على أعمال جميع الخلائق من الأنبياء إلى ما دونهم صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين فضلا عن المنافقين لعنة الله عليهم , و لزام الشاهد أن يكون عالما و مُدركا لكل ما يَشهدُ عليه , فكيف مع كل هذه الآيات القرآنية التي تُصرح بمعرفة رسول الله صلى الله عليه و آله الأطهار بأحوال المنافقين أن نفهم قوله تعالى في سورة التوبة " لا تعلمهم نحن نعلمهم " على أنه يجهل المنافقين , كيف إذا بهذه الآيات التي تصرح بإحاطة علمه بأحوالهم صلى الله عليه و آله الأطهار , لا تجعلوا القرآن عضين
و لكن يبقى السؤال كيف نفهم هذه الفقرة من الآية الكريمة " لا تعلمهم نحن نعلمهم "
لنراجع بعض الخطابات في القرآن الكريم حتى نفهم هذه الآية بصورة جيدة , لنراجع القرآن و نسلط الضوء على بعض الآيات الكريمة .نقرأ في سورة المباركة البقرة : "وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وان كانت لكبيرة الا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع ايمانكم ان الله بالناس لرؤوف رحيم "تدبر معي في هذه الآية الكريمة " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " هل الله عز و جل لا يعلم ؟؟؟؟؟ حتى يقول " إلا لنعلم " ؟؟؟ بالطبع يعلم و لكن هذا العلم هنا بمعنى إظهار , أي حتى يُظهر و يميز من يتّبع الرسول صلى الله عليه و آله ممن ينقلب على عقبيه .
فكذلك الرسول صلى الله عليه و آله الأطهار عالم بالمنافقين , و لكن هو لا يُظهرهم بل الله عز و جل يُظهرهم للناس , تماما مثل هذه الآية الكريمة التي هي من مفاتيح فهم هذه الآية الكريمة :

"
يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ "
الرسول صلى الله عليه و آله الأطهار إذا لم يكن يعرفهم كيف يوجه لهم الخطاب و يقول لهم " قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ " !!!؟؟؟
و كيف يُعقل أن يخفى قضية حساسة جدا كقضية وجود المنافقين عن رسول الله صلى الله عليه و آله الأطهار ؟ نحن إذا كنا نريد أن نفهم أن القضية علم و جهل و هكذا , فعليه أن ننفي العلم أصلا من الله عز و جل , إذ كيف يقول مثلا :
"
الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ "
كيف تريدون أن تفهموا هذه الآية بناءا على قضية الجهل و العلم , هل تريدون القول بأن الله , الآن علم أن هناك ضعفا في المؤمنين , و لم يكن يعلم أن هناك ضعفا , كما يكتب في الهامش المعترض و يقول عدم العلم يساوي الجهل , هل هذه هي طريقتكم في فهم القرآن الكريم ؟؟؟؟؟ إذا الله عز و جل يكون جاهلا عندكم بناءا على ظهور هذه الآية الكريمة , و العياذ بالله من هذا القول . هذه ليست طريقة فهم القرآن , الفهم القرآني يؤخذ من أهل البيت عليهم السلام , هؤلاء هم تُرجمان القرآن الكريم , و كل من عنده شيئ من الحق فهو آخذ عنهم , و من تركهم ليأخذ عن غيرهم لا يجد إلا سرابا .فيا عزيزي القارئ المؤمن , العلم هنا يأتي بمعنى إظهار و ليست القضية قضية علم و جهل , لنقرأ الآن الآيات التي أعتبرها هي المفتاح في فهم آية 101 من سورة التوبة التي أشارت إلى قضية وجود المنافقين في و حول المدينة و أن الله عز و جل سيظهرهم للناس ,
" وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ "
, أي أنت يا رسول الله لا تظهرهم نحن نُظهرهم لأجل دفع الخطر عن رسول الله صلى الله عليه و آله
,
و الآيات التي أريدها هي من سورة آل عمران 166 و 167 و هي بحق من المفاتيح في فهم آية سورة التوبة 101 , لنقرأ الآيات :

وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ
هنا التعبير جدا جميل و صريح ," ليعلم المؤمنين و ليعلم الذين نافقوا " , الإعلام هنا في " ليعلم المؤمنين و ليعلم الذين نافقوا " جاء بمعنى إظهار المؤمنين و إظهار الذين نافقوا , و ليست بمعنى حتى تعرفون أيها المؤمنون أو حتى تعرفون أيها المنافقون , هذا وجه من وجوه الآية الكريمة , و لعل الكثير لا يلتفت إليه و لكن من يقرأ القرآن بعيون أهل البيت عليهم السلام فهناك هناك النجاة , و هذا البحث بهذا التفصيل و هذه الكيفية لم أقف عليه عند أحد من علمائنا و هذا ما وفقني الله عز و جل لبيانه فله الحمد و المنة , و أقول مرة أخرى بأن سواء ما أكتبه هنا أو في غير هذا المنتدى أو في أي من كتاباتي إنما هي ما إجتهدت في تحصيله من عقائد أهل البيت عليهم السلام و لا أعبر إلا عن نفسي و لا ألزم و لا أجيز شرعا لأي أحد أن يتبنى أي شيئ مما أعتقد به على عماه قبل أن يبحث هو بنفسه و يتأكد من صحته , فإذا كان صوابا فلله الحمد و المنة و إن كان خطئا لا سمح الله لا ألزمه أن يعتقد بما أعتقد به , فلستُ وكيلا عن أحد , و لعلي أشرت إلى هذا الكلام أكثر من ثلاث مرات في هذه المشاركة , عموما نعود لموضوعنا , فالآيات تُصرّح بأن هذا الإعلام إنما هو إظهار , و يتضح بهذا معنى و مراد الآية الكريمة في سورة التوبة المباركة , و لا يجب أن نفهم القرآن هكذا بشكل سطحي , هذا كتاب مبين و فيه غور عميق و سحيق , لا يدرك قعره و لا يمكن السباحة في تلاطم أمواجه دون أن نغرق إلا بسفينة و مصباح أهل بيت العصمة و الطهارة صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين.

و هذا بغض النظر عن
بعض الايات التي تأمر النبي ان يشد على المنافقين وعدم الصلاة عليهم
وهل يمكن ان يأمر الله رسوله بهذه الاوامر والنبي لا يعلم من هم المنافقين ؟!!!!
قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }التوبة73
وقال {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ }التوبة84

كيف يأتمر النبي الأكرم صلى الله عليه و آله بأمر رب العالمين تعالى شأنه و تقدس إن لم يكن يعرف المنافقين ؟؟؟؟؟؟
" قال العلامة الطباطبائي في المجلد 18 من ميزانه في الصفحة 195
وجه عدم المنافاة أن الآيات النافية للعلم بالغيب عنه و عن سائر الأنبياء (عليهم السلام) إنما تنفيه عن طبيعتهم البشرية بمعنى أن تكون لهم طبيعة بشرية أو طبيعة هي أعلى من طبيعة البشر من خاصتها العلم بالغيب بحيث يستعمله في جلب كل نفع و دفع كل شر كما نستعمل ما يحصل لنا من طريق الأسباب و هذا لا ينافي انكشاف الغيب لهم بتعليم إلهي من طريق الوحي كما أن إتيانهم بالمعجزات فيما أتوا بها ليس عن قدرة نفسية فيهم يملكونها لأنفسهم بل بإذن من الله تعالى و أمر، قال تعالى: «قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا»: الإسراء: 93، جوابا عما اقترحوا عليه من الآيات، و قال: «قل إنما الآيات عند الله و إنما أنا نذير مبين»: العنكبوت: 50، و قال: «و ما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق»: المؤمن: 78.و يشهد بذلك قوله بعده متصلا به: «إن أتبع إلا ما يوحى إلي» فإن اتصاله بما قبله يعطي أنه في موضع الإضراب، و المعنى: أني ما أدري شيئا من هذه الحوادث بالغيب من قبل نفسي و إنما أتبع ما يوحى إلي من ذلك.و قوله: «و ما أنا إلا نذير مبين» تأكيد لجميع ما تقدم في الآية من قوله: «ما كنت بدعا» إلخ، و «و ما أدري» إلخ، و قوله: «إن أتبع» إلخ.إنتهى ما أردنا من كلام العلامة الطباطبائي قدس سره في ميزانه , علما بأن لو أردنا التتبع لكلمات السيد الطباطبائي في هذا الموضوع لوجدنا أقوال عديدة تشير إلى هذا المعنى .
و كلام لعلامة المنار حفظه الله تعالى في جوابه على أحد الإخوة و هو أخينا العزيز علي صراط الحق نمسكه حينما سئله عن علم , أسئلة السائل كانت :
لدي بعض الاستفسارات عن علم الحجة الإمام المعصوم كالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم
1-
هل هناك معلومات لا يعرفها الإمام ؟
2 -
هل هناك معلومة يصعب على الإمام استيعابها ؟
3 -
هل هناك معلومة هي أعلى قدرا من أن يعرفها الإمام ؟
4-
هل يمكن لمخلوق أن يعلم شيء لا يعلمه الإمام ؟
5 -
اذا كان هناك معلومة لا يعرفها الإمام فكيف استطاعت هذه المعلومة من الاحتجاب عن الإمام ؟
وجواب العلامة الشيخ المنار حفظه الله كان
:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيدي السائل الكريم
جوابك بتواضع:نسأل الله بحق آيته الخفية (صراط علي حق نمسكه) وما انطوت كـ كهيعص حمعسق وبالنور الأتم والاسم الأعظم أن لا يجعلنا من المقصرة. تم
ثم إن أسئلتك خلطت بين عالمي الثبوت والإثبات ، وهذان العالمان إنما يصح البحث فيهما في الموضوع فهو في مرتبة المشيئة الاطلاقية المتقومة حيث أقصى مراتب الممكن وهو الصرف المتقوم بالصرف القيوم تعالى، وأما في عالم الناسوت فهو ليس الصرف الذي ما بعده لا علة ولا معلول ولا حقيقة خارج الحقيقة الحقة القيومية فما هو خارج هذه الحقيقة ليس إلا لازم ، ولازم اللازم إلى مالا نهاية لكون الملزوم الأول الذي هو الأسماء الذاتية وهي لا تتناهى وفوق ما لا يتناهى في الشدة فوجب من لوازمها أن لا تتناهى أيضاً والكلام هناك ليس بساح ممرع وخصب، وأما عالم التناهي الناسوتي فهو خارج موضوعا عن مقام المشيئة الاطلاقية المتقومة المستترة في الحقيقة الأحدية. وإنما هذا إشارة إلى ذاك وان اتحد الدال والمدلول وهذا بحث آخر، ولهذا فالخلط بين العالمين والمقامين يجعل الأسئلة عبارة عن دخان يغطي نور الحقيقة المبهجة.فيا سيدي الكريم السائل ؛ قد أجبتك بمصطلحنا ، فان كنت لا تعرف المصطلح ، فاعلم انه مما لا يفهم باللغة ، فلا تطلبه بها ، فعليك مراجعة ما قرره مشايخنا وعمدة اساتيذنا مثل المقدس الكامل الشيخ الشاه آبادي قدس الله سره الشريف ونفعنا بنفحات بحاره وغيره مما يدرك في محله . واستخدم اسمك وردا لورود المنهل العذب.وفقك الله لكل خير وبركة وجعلك ظلا للآية المباركة النورانية .
بعد سرد هذين القولين من علمين من أعلامنا المعاصرين رحم الله الماضي و حفظ الله الباقي و أمد في عمره المبارك , و تمامية جوابهما على هذه المسئلة المطروحة
.
أما كلام إمام الأمة سيدنا روح الله الموسوي الخميني قدس سره الشريف :

(
الحقيقة المحمدية ) هي التي تجلّت في العوالم من العقل إلى الهيولى _ الذي هو أخس مراتب الوجود الذي هو في غاية الإنفعال و في غاية عدم الفعلية , لواء الحسين _ و العالم ظهورها و تجلّيها ، و كل ذرّة من مراتب الوجود تفصيل هذه الصّورة , و هذه هي الإسم الأعظم , و بحقيقتها الخارجيّة عبارة عن ظهور المشيئة الّتي لا تعيّن فيها , و بها حقيقة كلّ ذي حقيقة و تعيّن كلّ متعين : " خلق الله الأشياء بالمشيئة و المشيئة بنفسها " . و هذه البنية المسماة بمحمد بن عبدالله صلى الله عليه و آله , النازلة من عالم العلم الإلهي الى عالم الملك لخلاص المسجونين في سجن عالم الطبيعة , مجملة تلك الحقيقة الكليّة, و إنطوى فيها جميع مراتب إنطواء العقل التفصيلي في العقل البسيط الإجمالي .
"
السلام عليك يا صاحب الوقار و السكينة
صلوات الله عليك و على آلك الأطهار
صلوات الله عليك و على آلك الأطهار
صلوات الله عليك و على آلك الأطهار
و إعلم أيها القارئ الكريم , أن التذرع بأن الكلام مشحون بالمصطلحات , تذرع واهٍ , لأنه ليس مما يُدرك و يُعرف باللغة , فهذا مبحث عميق و الإجابة يجب أن تكون بمستوى السؤال , أم النزول و التنزل إلى مراتب دانية لأجل الإفهام , فهذا كما صرحنا مرارا تُفقد من الجواب عمقه و دقته و قدره .
ولكن هناك جوانب أخرى أرى أن إستظهاره من الآيات الكريمة واضحة , و لأجل ذلك , سأنتقل إلى نقطة أخرى , و أبحث معنى الكتاب و العلم في القرآن الكريم .

راجع هذا الرابط : هـــنــا
أو : هل أتى على المعصوم حين من الدهر لم يعلم فيه شيئا ؟؟
المشاركة رقم 100 من هذا الموضوع الصفحة 5 .

و أما هناك آيات أخرى قد تحدث لبسا عند بعض المؤمنين خصوص قضية علم المعصوم عليه السلام , من جملتها هذه الآية الشريفة في سورة الشورى المباركة :

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ

فالسؤال الذي يسئله البعض :

ما هو الروح القدس وإن لم يكن معلوما فهل يعقل أن يكون أفضل من المعصومين عليهم السلام حتى يوفق ويسدد المعصوم؟

الجواب عليه :

ليس هو بمخلوق مستقل كما توهّم بعضهم ليصح الإشكال، وإنما هو جزء من تكوين المعصوم عليه السلام، غاية الأمر أننا لا نعرف حقيقته كما لا نعرف حقيقة سائر ما يتصل بالمعصوم عليه السلام، ومنشأ التوهم هو ما ورد من أنه ينتقل مع الأئمة، وهو لا يعني أنه مستقل بل يكون شأنه كشأن العقل الذي ينتقل في أفراد البشر مع أنه جزء من تكوينهم. ويشير إلى كون الروح القدس جزءا من تكوين المعصوم روايات منها ما عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: ”إن الله تبارك وتعالى جعل في النبي صلى الله عليه وآله خمسة أرواح، روح الحياة فبه دبّ ودرج، وروح القوة فبه نهض وجاهد، وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال، وروح الإيمان فبه آمن وعدل، وروح القدس فبه حمل النبوة. فإذا قُبض النبي صلى الله عليه وآله انتقل روح القدس فصار إلى الإمام“. (الكافي ج1 ص272).
فعلى هذا ينحل الإشكال إذ يثبت أن روح القدس جزء من تكوين المعصوم، وليس مخلوقا مستقلا حتى يُستغرب تسديده للمعصوم، ولا يصح الإشكال لأنه بعبارة أخرى يكون كقولنا: كيف يسدد رسول الله نفسه؟! أو كيف يسدد الإمام الصادق نفسه؟!

--------------------------------------
إنّ مَن‌ يصل‌ إلي‌ مقام‌ الولاية‌ عمليّاً لا علميّاً، فيصبح‌ وليّاً للّه‌ ويكون‌ الله‌ وليّه‌، فإنّ جميع‌ أعماله‌ وسنّته‌ وصفاته‌ تصبح‌ فعل‌ الله‌ وسنّته‌ وصفاته‌. ولا يعني‌ هذا أن‌ يصبح‌ هو الله‌، أو أن‌ يفصل‌ الله‌ عن‌ ذاته‌ المقدّسة‌ شيئاً فيعطيه‌ له‌، أو أ نّه‌ لا يفصل‌ عن‌ ذاته‌ شيئاً لكنّه‌ يتكرّم‌ عليه‌ بمثل‌ ما يمتلكه‌ هو، فهذه‌ بأجمعها تصوّرات‌ خاطئة‌ وغير صحيحة‌؛ بل‌ إنّ العبد قد تخطّي‌ وجوده‌ المجازي‌ّ والاعتباري‌ّ بواسطة‌ شدّة‌ الصفاء والخلوص‌ الذي‌ حصل‌ عليه‌ وجوده‌ فصار فانياً في‌ ذات‌ الله‌ وتجلّي‌ الله‌ سبحانه‌ فيه‌. أي‌ أنّ وجوده‌ وسرّه‌ وواقعيّته‌ صار مرآة‌ محضة‌ لتمام‌ الذات‌ الاحديّة‌ وكمالها وجمالها وجلالها، وصار مظهراً لتجلّي‌ الله‌.

ولا ريب‌ أنّ ممكن‌ الوجود مهما سمي‌ وترقّي‌، فمن‌ المحال‌ أن‌ يكتسب‌ شيئاً من‌ الله‌ فينسبه‌ لنفسه‌، بل‌ إنّ معني‌ الترقّي‌ والسموّ لا يعني‌ غير التخلّص‌ والتنزّه‌ من‌ شوائب‌ الوجود، والخلوص‌ والإخلاص‌ في‌ سبيل‌ الله‌ وطي‌ّ درجات‌ ومراتب‌ الفَناء في‌ الله‌؛ ولا يعني‌ إلاّ التحقّق‌ بحقيقة‌ معني‌ العبوديّة‌ المحضة‌ والسجدة‌ المطلقة‌ والتواضع‌ بلا قيد ولا حدّ।
معني‌ الولاية‌ العبوديّة‌ المحضة‌ والمحو والفَناء في‌ ذات‌ الله‌

فليست‌ الولاية‌ بمعني‌ حيازة‌ الصفات‌ الإلهيّة‌ بالاستقلال‌ ومع‌ عزّة‌ الشخصيّة‌، فهذا الفرض‌ خاطي‌ ثبوتاً وإثباتاً، وليست‌ أيضاً بمعني‌ المشاركة‌ والمساهمة‌ مع‌ صفاته‌، فهذا أيضاً خاطي‌ ثبوتاً وإثباتاً؛ بل‌ الولاية‌ بمعني‌ العبوديّة‌ المحضة‌ مقابل‌ ربوبيّته‌ المطلقة‌، وبمعني‌ الذلّة‌ المحضة‌ مقابل‌ عزّته‌ المطلقة‌. فالولاية‌ المطلقة‌ والكاملة‌ والتامّة‌، يعني‌ تحقّق‌ جميع‌ مراتب‌ العبوديّة‌ والاندكاك‌ والفَناء المحض‌ في‌ ذاته‌ القدسيّة‌؛ أمّا الولاية‌ المقيّدة‌ والجزئيّة‌ فتعني‌ تحقّق‌ بعض‌ مراحل‌ العبوديّة‌ والاندكاك‌ في‌ الفعل‌ أو الاسـم‌ والصفة‌، أو الاندكاك‌ الإجمالي‌ّ والمؤقّت‌ في‌ ذاته‌ والذي‌ لم‌ يصـل‌ بعدُ إلي‌ مرحلة‌ الفعليّة‌ التامّـة‌ ولـم‌ يتخـطَّ بعدُ بشـكل‌ كامـل‌ مراحـلَ القـوّة‌ والاستعداد.

وفي‌ هذه‌ الحال‌، فإنّ ولي‌ّ الله‌ الذي‌ تحقّقت‌ فيه‌ الولاية‌ التامّة‌ لا يمتلك‌ بنفسه‌ رغبة‌ وإرادة‌ وطلباً واختياراً، فما يُشاهَد منه‌ من‌ رغبة‌ وطلب‌ وإرادة‌ واختيار ليس‌ إلاّ نفس‌ صفات‌ وأسماء الله‌ التي‌ ظهرت‌ فيه‌، كما ينعكس‌ شعاع‌ الشمس‌ ونورها في‌ الماء الصافي‌ أو في‌ المرآة‌ الصقيلة‌. وهذا المعني‌ هو الصحيح‌ في‌ باب‌ الولاية‌.

فلهذا فإنّ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ الذين‌ يمتلكون‌ مقام‌ الولاية‌ المطلقة‌ والكلّيّة‌ لا تعني‌ ولايتهم‌ أ نّهم‌ يقدرون‌ علي‌ فعل‌ ما يشاؤون‌ بأنفسهم‌ مهما كان‌ ذلك‌، منفصلاً ومستقلاّ عن‌ مشيئة‌ الله‌ سبحانه‌، كما لا تعني‌ أ نّهم‌ يمتلكون‌ بأنفسهم‌ إرادة‌ تشبه‌ إرادة‌ الله‌، فيمكنهم‌ ـ بتلك‌ الإرادة‌ التي‌ منحها الله‌ لهم‌ أن‌ يحقّقوا ما يريدون‌ في‌ عالم‌ الخارج‌، بصورة‌ منحازة‌ ومستقلّة‌؛ بل‌ إنّها تعني‌ أن‌ لا وجود في‌ الخارج‌ إلاّ لإرادة‌ واختيار ومشيئة‌ واحدة‌، وهي‌ إرادة‌ واختيار ومشيئة‌ الله‌ لا غير.

إنّ جميع‌ الناس‌ المحجوبين‌ والعميان‌ والذين‌ يشكون‌ من‌ عشو البصر أو رمد العين‌ يرون‌ العالم‌ مفرّقاً مجزّءاً مشتّتاً، فيشاهدون‌ لكلّ واحد من‌ الموجودات‌ وجوداً مستقلاّ ويقولون‌ بوجود الإرادة‌ والعلم‌ والقدرة‌ والحياة‌ المستقلّة‌، أمّا هؤلاء الخواصّ الذين‌ استيقظوا من‌ غفلتهم‌ وأفاقوا من‌ سكرة‌ الطبع‌ والطبيعة‌ والشهوة‌ والغضب‌ والوهم‌، وكحّلوا العيون‌ الرمداء بكحل‌ التبصّر والتطلّع‌ إلي‌ الحقيقة‌، فقد تبيّن‌ لهم‌ بجلاء أنْ: لاَ مُؤَثِّرَ فِي‌ الوُجُودِ إلاَّ اللَهُ، وَلاَ عَالِمَ فِي‌ الوُجُودِ إلاَّ اللَهُ، وَلاَ قَادِرَ فِي‌ الوُجُودِ إلاَّ اللَهُ، وَلاَ حَي‌َّ فِي‌ الوُجُودِ إلاَّ اللَهُ، وَلاَ ذَاتَ مُسْتَقِلَّةً فِي‌ الوُجُودِ إلاَّ اللَهُ.

وباعتبار أنّ جميع‌ إرادتهم‌ واختيارهم‌ وعلمهم‌ وقدرتهم‌ هي‌ عين‌ إرادة‌ واختيار وعلم‌ وقدرة‌ الله‌ سبحانه‌، فقد كانت‌ جميع‌ الموجودات‌ ابتداء من‌ الموجودات‌ السفليّة‌ إلي‌ العلويّة‌، ومن‌ المُلكيّة‌ إلي‌ الملكوتيّة‌ ومن‌ الجسميّة‌ إلي‌ الروحيّة‌، ومن‌ الظاهريّة‌ إلي‌ الباطنيّة‌، ومن‌ الدنيويّة‌ إلي‌ الاُخرويّة‌، ومن‌ موجودات‌ عالم‌ الطبع‌ والطبيعة‌ من‌ الهيولي‌ الاوليّة‌ وصولاً إلي‌ آخر نقطة‌ للفعليّة‌ والكمال‌، وما وُجد وما سيوجد؛ هي‌ بأجمعها مخلوقاتهم‌ ومقدوراتهم‌ ومعلوماتهم‌ هم‌، وذلك‌ لا نّها جميعاً مخلوقات‌ الله‌ وحده‌، وليس‌ هناك‌ في‌ هذه‌ المرحلة‌ من‌ الولاية‌ شيئاً متصوّراً إلاّ الله‌، فهم‌ معدومون‌، أمّا الموجود فهو الله‌ سبحانه‌، وهذا هو الوجود المحض‌ في‌ مقام‌ الفَناء المحض‌।
ولاية‌ ولي‌ّ الله‌ مقام‌ رفيع‌ لا تناله‌ العقول‌ والافكار

ولذلك‌ ينبغي‌ أن‌ لا ينحصر الانتظار من‌ مقام‌ الولاية‌ في‌ القيام‌ ببعض‌ الكرامات‌ النادرة‌ وبعض‌ المعجزات‌ القاهرة‌، فارجع‌ البصر إلي‌ السماء والارض‌ والنجوم‌ والافلاك‌ والشجر والحجر والمدر والإنسان‌ والحيوان‌ والنبات‌ والجماد والمَلَك‌ والجنّ والشيطان‌، فإنّ كلّ ما تري‌ وتسمع‌ هو جميعاً من‌ الولاية‌ ومن‌ آثار الولاية‌ ومن‌ شؤون‌ الولاية‌.

افتح‌ عينيك‌ وانظر إلي‌ الجنين‌ في‌ بطن‌ أُمّه‌ وإلي‌ نموّه‌ وعقله‌ وكماله‌، وانظر إلي‌ حركة‌ الشمس‌ والارض‌ والقمر وسائر السيّارات‌ والثوابت‌ والمجرّة‌ والمجرّات‌ جميعاً في‌ نظمها البديع‌ المحيّر، فهي‌ جميعاً من‌ الولاية‌ وخواصّها.

افتح‌ عينيك‌ وانظر إلي‌ نفسك‌، إلي‌ بدايتك‌ ونهايتك‌ وسيرك‌ وظاهرك‌ وباطنك‌ ونومك‌ واستيقاظك‌ وسكونك‌ وحركتك‌ وعلمك‌ وقدرتك‌ وحياتك‌، فهي‌ جميعاً من‌ لوازم‌ الولاية‌ وخصائصها.

الناس‌ المحجوبون‌ يرون‌ الولاية‌ الكلّيّة‌ الإلهيّة‌ في‌ المعجزات‌ النادرة‌ فقط‌

فما أشدّ قصور نظرنا وضحالته‌ وتفاهته‌ إن‌ نحن‌ نظرنا إلي‌ الولاية‌ في‌ مسائل‌ شقّ القمر، أو تسبيح‌ الحصي‌، أو حنين‌ الاسطوانة‌ الحنّانة‌، أو إحياء أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ الموتي‌، أو سائر المعجزات‌ التي‌ نُقلت‌ عن‌ الائمّة‌ المعصومين‌ صلوات‌ الله‌ وسلامه‌ عليهم‌ أجمعين‌! تماماً كنملة‌ تسير في‌ حديقة‌ السلطان‌ بين‌ ورودها ورياحينها وخدمها وحشمها، ومع‌ عزّة‌ السلطان‌ وجلالته‌ وسعة‌ سلطانه‌ ونفوذه‌ وأمره‌ ونهيه‌؛ لكنّها لا تري‌ لطفه‌ إلاّ في‌ حَبّة‌ تسحبها إلي‌ بيتها، ولا تعرف‌ من‌ غضبه‌ وقهره‌ إلا الندي‌ الذي‌ يتسرّب‌ إلي‌ بيتها!

ولذلك‌ فإنّ عمل‌ أولياء الله‌ هو عمل‌ الحقّ، فهم‌ قادرون‌ علي‌ القيام‌ بجميع‌ الاعمال‌ من‌ شفاء المرضي‌ وإحياء الموتي‌ وإظهار المعجزات‌ والكرامات‌ وخوارق‌ العادات‌ والتصرّف‌ في‌ موادّ الطبيعة‌ والقيام‌ بالاعمال‌ التي‌ لا تنسجم‌ أبداً مع‌ العقل‌ التجريبي‌ّ الحسّي‌ّ.

لكنّ النكتة‌ المهمّة‌ هنا، أ نّهم‌ لا يصدر عنهم‌ عمل‌ غير صحيح‌، ولا يفعلون‌ ما يخالف‌ الحكمة‌ والمصلحة‌، ولا يخطون‌ خطوة‌ في‌ إلحاق‌ الضرر والاذي‌ بالبشر، وذلك‌ لا نّهم‌ بالفرض‌ اسم‌ الله‌؛ والله‌ لا يفعل‌ شيئاً عبثاً ولغواً ولهواً. إنّ عمل‌ أولياء الله‌ الحقيقيّين‌ من‌ اللطافة‌ والدقّة‌ والظرافة‌ وفقدان‌ الاسم‌ والاثر والظهور، بالقدر الذي‌ يحصل‌ أحياناً بدون‌ أن‌ يعلموا هم‌ أنفسهم‌ بأفعالهم‌، فهم‌ يفعلون‌ ذلك‌ لكنّ نفوسهم‌ ومُثُلهم‌ تفتقد الاطِّلاع‌ علي‌ ذلك‌. ولو حدثَ أن‌ قطّعت‌ ولي‌َّ الله‌ إرباً إرباً، أو فصلت‌ مفاصله‌ واحدة‌ واحدة‌، ولو سلختَ جلده‌ عن‌ بدنه‌ حال‌ حياته‌، لما فعل‌ شيئاً خلاف‌ رضا الله‌ سبحانه‌. ولذلك‌ نري‌ أنّ الائمّة‌ الطاهرين‌ صلوات‌ الله‌ عليهم‌ أجمعين‌، مع‌ هذه‌ السعة‌ في‌العظمة‌ والامتداد في‌ القدرة‌ الروحيّة‌ والتكوينيّة‌، لا يستجيبون‌ لجميع‌ طلبات‌ الناس‌ وأدعيتهم‌، وذلك‌ لعدّة‌ أسباب‌:

الاوّل‌: أنّ أغلب‌ أدعية‌ الناس‌ غير جادّة‌، ولا تصدر من‌ أعماق‌ قلوبهم‌. فما أكثر أدعية‌ الناس‌ التي‌ تصدر للعادة‌ والتقليد والاستناد علي‌ الاسباب‌ الظاهريّة‌ والاعتماد علي‌ الاُمور الاعتباريّة‌، وفي‌ هذه‌ الحال‌ فإنّ حقيقة‌ الدعاء لا تنبع‌ من‌ ضمائرهم‌ وقلوبهم‌؛ ولولا ذلك‌ فإنّ هذه‌ الادعية‌ والرغبات‌ كانت‌ ستستجاب‌ في‌ حال‌ الاضطرار والانقطاع‌ الكامل‌.

أَمَّن‌ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّو´ءَ.

الثاني‌: أنّ الادعية‌ تنصبّ غالباً علي‌ المنافع‌ الشخصيّة‌ مع‌ الإعراض‌ عن‌ المنافع‌ العامّة‌. أي‌ أنّ الشخص‌ الذي‌ يدعو، يطلب‌ لنفسه‌ شيئاً خاصّاً لو استجيب‌ له‌ فيه‌ لاستلزم‌ ذلك‌ سلب‌ ذلك‌ الشي‌ء منه‌.

فقد يتوسّل‌ امرؤ بالإمام‌ مثلاً فيدعو بإصرار من‌ أجل‌ أن‌ يرتفع‌ عنه‌ ظلم‌ جاره‌، مع‌ أ نّه‌ نفسه‌ يُلحق‌ في‌ بيته‌ وباستمرار ظلماً أشدّ بزوجته‌ لا يعلم‌ عنه‌ أحد شيئاً؛ فإن‌ استجاب‌ الله‌ دعاءه‌ بحقّ جاره‌ فأهلكه‌، فإنّه‌ سيكون‌ قد ألحق‌ الظلم‌ والحيف‌ بامرأة‌ هذا الظالم‌، وذلك‌ لانّ ظلمه‌ لزوجته‌ سيدوم‌. ولو استجاب‌ الله‌ بشأن‌ جميع‌ الظَّلَمة‌ بمقتضي‌ سعة‌ أسمائه‌ الجلاليّة‌ لتوجّب‌ من‌ ذلك‌ أن‌ يهلك‌ في‌ الوهلة‌ الاُولي‌ نفس‌ هذا الرجل‌، لا نّه‌ يظلم‌ امرأته‌ في‌ بيته‌!

لكنّ الإنسان‌ يُحسن‌ الظنّ بنفسه‌ دوماً فلا يعد ظلمه‌ قبيحاً، بل‌ لا يري‌ ظلمه‌ ظلماً وتعدّياً، وحينذاك‌ يدعو لرفع‌ ظلم‌ الغير। ومن‌ ثمّ فإنّ أمثال‌ هذه‌ الادعية‌ لا تستجاب‌ لانّ مـآلها هلاك‌ جميع‌ الظلمة‌ من‌ جملتهم‌ نفس‌ الداعي‌.
الثالث‌: أنّ أدعية‌ الناس‌ هي‌ غالباً خلاف‌ مصلحتهم‌، أي‌ أ نّهم‌ يطلبون‌ وفق‌ فكرهم‌ وتعقّلهم‌ شيئاً ويلحّون‌ في‌ طلبه‌، فإن‌ استجيب‌ لهم‌ فيه‌ كان‌ فيه‌ ضررهم‌. لكنّهم‌ ـ باعتبار وقوعهم‌ في‌ ستار الحجاب‌ وعدم‌ اطِّلاعهم‌ علي‌ الاسرار يتخيّلون‌ في‌ الغالب‌ منفعتهم‌. ولذا فإنّ الناس‌ غافلون‌ عن‌ المصالح‌ والمفاسد المعنويّة‌ والحقيقيّة‌ ويتصوّرون‌ المصلحة‌ والمفسدة‌ علي‌ أساس‌ الإفراط‌ في‌ الشهوة‌ والتمتّع‌ باللذائذ الدنيويّة‌ الخسيسة‌، واكتناز المال‌ والثروة‌ وما أشبه‌ ذلك‌، سواء أدّي‌ ذلك‌ إلي‌ استقرار بالهم‌ أم‌ إلي‌ تعكيره‌، وسواء أبقي‌ ذلك‌ علي‌ تحرّر روحهم‌ أم‌ لم‌ يبقِ، وسواء أتعبَ ذلك‌ نفوسهم‌ أم‌ لم‌ يتعبها؛ وبشكل‌ عامّ سواء زاد ذلك‌ في‌ درجتهم‌ ومقامهم‌ العلمي‌ وقربهم‌ من‌ الله‌ سبحانه‌ أم‌ لم‌ يزد؛ في‌ حين‌ أنّ هذا النمط‌ من‌ التفكير خلاف‌ صالحهم‌. فكم‌ من‌ ملعقة‌ من‌ الحلويات‌ اللذيذة‌ كانت‌ باعثاً علي‌ إيجاد السمّ القاتل‌ في‌ أبدانهم‌! وكم‌ ساقتهم‌ زيادة‌ الثروة‌ واكتناز الذهب‌ إلي‌ الطغيان‌ والتمرّد! وما أكثر ما دعتهم‌ صحّة‌ مزاجهم‌ وعافيتهم‌ إلي‌ الغفلة‌ والمرح‌ والفخر! وما أكثر ما دعتهم‌ قدرتهم‌ البدنيّة‌ والبطوليّة‌ إلي‌ تمريغ‌ منافسهم‌ في‌ التراب‌، وأدخلتْ إلي‌ نفوسهم‌ العُجب‌ والغرور! وأمثال‌ ذلك‌ كثير. فهم‌ سيكونون‌ حينذاك‌ قد جَنَوْا منفعة‌ قليلة‌ ومؤقّتة‌ أعقبتهم‌ مضرّة‌ كثيرة‌ ودائمة‌ دون‌ أن‌ يعلموا بذلك‌. وعند ذلك‌ يذهب‌ هؤلاء المساكين‌ إلي‌ اللهو واللعب‌، ويسمّرون‌ أنظارهم‌ علي‌ اللذّات‌ الفانية‌ لا يتعدّونها، جاهلين‌ بالتعب‌ والنَّصَب‌ والتداعي‌ الروحيّ الذي‌ لحقهم‌.

كان‌ سماحة‌ السيّد الحدّاد قدّس‌ الله‌ سرّه‌ يقول‌: أري‌ الناس‌ في‌ جميع‌ المشاهد المشرّفة‌ يُلصقون‌ أنفسهم‌ بالضريح‌ ويضرعون‌ باكين‌ بالدعاء فيقولون‌: أضفْ خرقة‌ إلي‌ خرق‌ لباسنا المتهرّي‌ ليصبح‌ أثقل‌. وليس‌ هناك‌ مَن‌ يقول‌: خذ هذه‌ الخرقة‌ منّي‌ ليخفّ كاهلي‌ وليصبح‌ ردائي‌ أبسط‌ وألطف‌ وأرقّ!

إنّ حاجات‌ الناس‌ تنصبّ غالباً علي‌ الاُمور المادّيّة‌ ولو كانت‌ مشروعة‌، كأداء دَين‌، أو الحصول‌ علي‌ رأس‌ مال‌ للتجارة‌ والكسب‌، وشراء بيت‌، والزواج‌ من‌ فتاة‌، وشفاء مريض‌، والقيام‌ باستضافة‌ الناس‌ وإطعامهم‌ في‌ شهر رمضان‌ وأمثال‌ ذلك‌. وهذه‌ الاُمور جيّدة‌ لو أدّت‌ إلي‌ قرب‌ الإنسان‌ وتجرّده‌، لا إلي‌ زيادة‌ شخصيّته‌ وأنانيّته‌ وتقوية‌ وجوده‌. لانّ تقوية‌ الوجود هذه‌ ستؤدّي‌ إلي‌ ثقل‌ النفس‌ وبُعدها عن‌ سبيل‌ الله‌، لا إلي‌ خفّة‌ النفس‌ وانبساطها وقربها.

إنّ العمل‌ الصالح‌ للبشر وصلاحه‌ الحقيقي‌ّ هو الذي‌ يؤدّي‌ إلي‌ قُربه‌ من‌ الله‌ تعالي‌ وإلي‌ تحرير نفسه‌، سواء اقترن‌ بالمنفعة‌ الطبعيّة‌ والطبيعيّة‌ أم‌ لم‌ يقترن‌.

وبعبارةٍ أُخري‌ فإنّ مجموعة‌ الإنسان‌ ليست‌ كمجموعة‌ الحيوان‌ والنبات‌ والجماد ليلحظ‌ فيها البدن‌ فقط‌، بل‌ إنّ الإنسان‌ يمتلك‌ نفساً ناطقة‌ وقابليّة‌ للارتقاء إلي‌ أعلي‌ علّيّين‌. فإن‌ قَصَرَ عنايته‌ علي‌ البدن‌ وأبهج‌ بذلك‌ نفسه‌، فقد أصابه‌ الضرر وأيّما ضرر! فهو قد باع‌ حقيقة‌ وجوده‌ وثمرة‌ حياته‌ بثمن‌ بخس‌، وبقي‌ محروماً في‌ ميدان‌ اللهو الدنيويّ. ولو أراد الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ في‌ مثل‌ هذه‌ الافتراضات‌ أن‌ يقضوا حاجات‌ الجميع‌ ويستجيبوا لجميع‌ الادعية‌ لكانوا قد ساروا خلاف‌ مصالحهم‌.

إنّ الائمّة‌ هم‌ مصلحو عالم‌ البشريّة‌، فهم‌ في‌ حكم‌ الطبيب‌ الذي‌ يصف‌ للمريض‌ الاغذية‌ والادوية‌ المُرَّة‌ أحياناً، ويجري‌ له‌ العمليّة‌ الجراحيّة‌ والتزريق‌، وينصحه‌ بالامتناع‌ عن‌ بعض‌ الاغذية‌، ويداويه‌ بالجوع‌ أحياناً أُخري‌. أمّا العقلاء فيُدركون‌ ذلك‌ ولا يتمرّدون‌ علي‌ تعاليم‌ الطبيب‌، وأمّا الجهلة‌ وعبدة‌ الشهوات‌ أو الاطفال‌ الذين‌ لا كافل‌ لهم‌، فلا يُعيرون‌ ذلك‌ أُذناً صاغية‌، ويقومون‌ من‌ ثمّ بحفر قبورهم‌ بأيديهم‌.

وبالطبع‌ فإنّ نفس‌ الالتجاء والدعاء يمتلك‌ المحبوبيّة‌، وهؤلاء المتوسّلون‌ والداعون‌ يحصلون‌ علي‌ أجر معنويّ، ويحسّون‌ ببهجة‌ ونشاط‌ وصفاء في‌ هذه‌ العتبات‌ المشرّفة‌ ويتمتّعون‌ بلذّة‌ الدنيا والعبادة‌. ونحن‌ نشاهد أحياناً أنّ حاجاتهم‌ تقضي‌ حين‌ تقتضي‌ المصلحة‌ ذلك‌، فيشفي‌ المرضي‌ المشرفون‌ علي‌ الموت‌ والعميان‌ والمشلولون‌، فيعودون‌ إلي‌ أوطانهم‌ وقد نالوا مرادهم‌ وقضيت‌ حاجاتهم‌.

كما أ نه‌ لا اختصاص‌ بقضاء الحاجات‌ بالاعتاب‌ المباركة‌ لثامن‌ الائمّة‌ عليه‌ السلام‌، فهذا الامر عامّ في‌ جميع‌ العتبات‌ المباركة‌ الاُخري‌، ولقد سمعنا في‌ حياتنا من‌ كرامات‌ كلّ واحد من‌ هؤلاء العظام‌ في‌ كلّ مكان‌ بالقدر الذي‌ يضيق‌ علي‌ الحصر والعدّ، حتّي‌ أنّ هذا الحقير حين‌ كان‌ منزلنا في‌ طهران‌ كان‌ يتشرّف‌ كثيراً بزيارة‌ السيّد عبد العظيم‌ الحسني‌ّ سلام‌ الله‌ عليه‌، وكنت‌ أدعو في‌ ذلك‌ المحلّ المبارك‌، فلا أذكر أ نّي‌ دعوت‌ بشي‌ء ولم‌ يُستجب‌ لي‌ فيه‌.

ولقد كان‌ منزلنا يقع‌ في‌ زقاق‌ « حمّام‌ وزير »، وكان‌ هناك‌ رجل‌ يعمل‌ في‌ خياطة‌ الاحذية‌ وإصلاحها، وكنا نُصلح‌ أحذيتنا عنده‌. وأذكر جيّداً أ نّه‌ جاء إلي‌ منزلنا يوماً باكياً وشرح‌ لوالدي‌ الذي‌ كان‌ عالِم‌ المحلّة‌ تفصيل‌ ما وقع‌ له‌، وكنت‌ آنذاك‌ صغيراً.

قال‌: إنّ من‌ عادتنا نحن‌ الحذّائين‌ أن‌ نضع‌ في‌ فمنا قدراً من‌ المسامير التي‌ نريد تثبيتها في‌ الاحذية‌، ثمّ نستخرجها واحداً فواحداً فنسمّرها في‌ الحذاء. وكنتُ يوماً قد وضعتُ في‌ فمي‌ قدراً من‌ هذه‌ المسامير السوداء (المسامير الطويلة‌ المدبّبة‌ المعهودة‌ في‌ إصلاح‌ الاحذية‌) وذلك‌ لتثبيتها في‌ أحد الاحذية‌. فجاء أحد الاشخاص‌ فجأة‌ وشرع‌ بالتحدّث‌ معي‌، وهكذا غفلت‌ عن‌ المسامير في‌ فمي‌ فابتلعتُها فجأة‌.


الثالث : العصمة في الغضب والرضا :
لو قيل : إنّه بشر يتكلّم في الغضب والرضى ، فكيف يكون في كلِّ ذلك معصوماً ؟ !!
فإنّه يقال : إنّ القرآن قد صرَّح به وبيّن الفرق فقال تعالى آمراً رسوله
____________
(1) التبيان في تفسير القرآن 1 : 363 في تفسير هذه الآية المباركة.
(2) من لا يحضره الفقيه 4 : 418. ومعاني الاخبار 2 : 102. والخصال 1 : 527. والاحتجاج|الطبرسي : 436. وعيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 212|1.
(3) الكافي 1 : 509|12.
( 64 )

أن يقول للناس من أنّه بشر مثله : ( قُلْ إنّما انا بشرٌ مثلكم ) ، لكن الفارق قد ذكره تعالى أيضاً بعد أمره بقوله هذا إذ قال تعالى : ( قل إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليَّ ) (1)فالوحي الالهي له مكانه الخاص به ، وبهذا افترق هذا البشر عن غيره ، إذ قال تعالى : ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) (2). وبيّن طاقة هذا البشر بقوله تعالى : ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعاً متصدِّعاً من خشية الله ) (3).
ولذا وردت الرواية على لسان عبدالله بن عمرو بن العاص أنه قال : ( كنت أكتب كلّ شيء اسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أريد حفظه ، فنهتني قريش وقالوا : تكتب كلّ شيء سمعته من رسول الله ، ورسول الله بشر يتكلّم في الغضب والرضى ؟ ! فأمسكت عن الكتابة.
فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأومأ باصبعه إلى فيه ، وقال : « اكتب فو الذي نفسي بيده ، ما يخرج منه إلاّ حق » ) (4).
____________
(1) سورة الكهف : 18|110.
(2) سورة الانعام : 6|124.
(3) سورة الحشر : 59|21.
(4) سنن ابي داود 3 : 342. وانظر أيضا : مسند أحمد بن حنبل 2 : 215 عن طريقين. المستدرك على الصحيحين 3 : 528. 

http://www.rafed.net/books/aqaed/esma/esma-3.html#16

و خصوص آية سورة تحريم و باقي الآيات محل البحث :

" فالآية لم يكن غرضها عتاب الرّسول (ص) وإنَّما كان غرضها توبيخ زوجته التي آذته واضطرّته للحلف ثُمّ أفشت سرّه الذي حلف على ترك ذلك الشّيء من أجل أن تكتمه.

والقرينة على ذلك هو ملاحظة الآية الرَّابعة من سورة التَّحريم والآية التي تلتها: ﴿إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ / عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾ التحريم/4-5.

فالقرآن الكريم في هاتين الآيتين ينتصر للرسول (ص) ويُنبّأ زوجتَيه وهما حفصة وعائشة أنَّ الله هو ناصره عليهما إن تظاهرا وتواطئا على إيذائه وكذلك ناصره جبرئيل وصالح المؤمنين وعموم الملائكة.

ثُمَّ أنَّه وبّخهما صريحًا وأفاد بأنَّ الرَّسول (ص) لو أوقع الطَّلاق بهما فإنَّ الله سيبدله بزوجات خيرا منهما.

وكلّ ذلك يعبّر عن أنَّ التَّوبيخ في الآية الأولى لم يكن موجّهًا للرّسول (ص) وإنَّما كان موجّهًا لزوجتَيه ، فكأنَّ القرآن أراد أن يُسلِّيه ويُطيِّب نفسه ويقول إنَّ مَن حلفتَ لاسترضائها لم تكن تستحقّ منك هذا الاسترضاء.

فمساق الآية هو مساق قولنا لمن أحسن للمسيء: "لمَ أحسنت له؟"، فالاستفهام في هذا المثال ليس عتابًا، إذ أنَّ الإحسان للمسيء أمرٌ راجح، فالغرض من هذا الاستفهام هو بيان أنَّ هذا الإنسان لا يستحقّ الإحسان، فهو توبيخ لمن أحسن إليه وليس إلى المُحسن، فلذلك يفهم المُحسن من الخطاب والاستفهام أنّه تعاطف وليس توبيخًا. 

وبما ذكرناه يتّضح أنّ ما فعله رسول الله (ص) كان صائبًا ومُطابقًا للمصلحة التَّامة والإرادة الإلهيَّة وأنَّ الغرض من الاستفهام في الآية المُباركة هو التَّسلية للرّسول (ص) والتَّعبير عن الاستياء من موقف تلك الزّوجة.

"

المصدر :

http://hodaalquran.com/details.php?id=9092



توضيح جديد للشيخ عبدالكريم العقيلي حفظه الله تعالى عن آية : " و كذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري مالكتاب و الايمان " 

https://www.youtube.com/watch?v=vURj4RpwWP0


ليست هناك تعليقات: