زيارة عاشورآء القدسية


الأربعاء، 15 يونيو 2011

بيان لتوضيح شيئ من معنى عبارة الواردة في زيارة سيدة نساء العالمين سلام الله عليها


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد الأطيبين الأطهرين
و اللعنة الدآئمة الوبيلة على أعدآئهم و ظالميهم أجمعين

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبَانَ الْبَصْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ السَّيْرَافِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ‏ الْعَبَّاسِ الْمَنْصُورِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْعُرَيْضِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ ع ذَاتَ يَوْمٍ قَالَ إِذَا صِرْتَ إِلَى قَبْرِ جَدَّتِكَ فَاطِمَةَ ع فَقُلْ يَا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَكِ فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صَابِرَةً وَ زَعَمْنَا أَنَّا لَكِ أَوْلِيَاءُ وَ مُصَدِّقُونَ وَ صَابِرُونَ لِكُلِّ مَا أَتَانَا بِهِ أَبُوكِ ص وَ أَتَانَا بِهِ وَصِيُّهُ ع فَإِنَّا نَسْأَلُكِ إِنْ كُنَّا صَدَّقْنَاكِ إِلَّا أَلْحَقْتِنَا بِتَصْدِيقِنَا لَهُمَا بِالْبُشْرَى لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا بِأَنَّا قَدْ طَهُرْنَا بِوَلَايَتِكِ‏

التهذيب ج‏6، ص: 9

أحببت إضافة هذا البيان لإفادة إخواني , و كنت قد ذكرت هذا البيان في مشاركة سابقة لي , و وودت أن أضعها هنا مرة أخرى , لعل في إيرادها الفائدة , عموما الموضوع الذي شاركت فيه بمشاركتي هذه تجدونه : هنا

إن ما أذكره هو ما إستفدته من بيان إمام الأمة السيد الخميني قدس الله سره الشريف , في بدايات كتابه القيم و العظيم شرح حديث جنود العقل و الجهل , هذا الكتاب الذي أدعوا المؤمنين بأن يقتنوا هذا الكتاب و يدرسونه , فهو بحق كنز عظيم .

هناك إطلاقات يُطلق على الخلق بكليته , فكل الممكنات هي مخلوقة , و لكن هناك تقسيم آخر جاء ذكره في القرآن الكريم ضمنا , في تقسيم هذه الممكنات , الخلق و الأمر , بتعبير آخر موجودات خلقية و موجودات أمرية . و إليه الإشارة في قوله تعالى : أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ

يُراد من المخلوقات الخَلقية , المخلوقات التي في طور إيجادها تمر بمراحل , على سبيل المثال , النطفة , الجنين , ثم طفل , و هكذا أطوار وجودية , كما إليها الإشارة في هذه الآية الكريمة : وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا

أما موجودات الأمرية هي ما يُطلق عليه لفظ الخلق مجازا , إذ أنها ليست موجودات تمر بمراحل تدرجية لوجودها , بل هي أمر واحد , كن فيكون , مثل الموجودات المجردة , و إليها الإشارة في قوله تعالى : وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ

و كذلك هذه الآية المباركة :

إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ

و في هذه الزيارة الشريفة أتت لفظ الخلق بمعنيين , خلقك قبل أن يخلقك , فالخلق الأول , كان خلقا أمريا , إن صح التعبير , و الخلق الثاني , هو الخلق التدريجي الطوري , و في هذا المعنى روايات عديدة أختار منها هذه الرواية , لمناسبتها المقام و لوضوحها في ما أرمي إليه من معنى :

الكافى الشريف : أحمد بن ادريس، عن الحسين بن عبدالله، عن محمد بن عيسى و محمد بن عبدالله، عن على بن حديد، عن مرازم، عن ابى عبدالله عليه السلام، قال: قال الله تبارك و تعالى: يا محمد، انى خلقتك و عليا نورا- يعنى روحا بلا بدن- قبل ان أخلق سماواتى و أرضى و عرشى و بحرى، فلم تزل تهللنى و تمجدنى. ثم جمعت روحيكما فجعلتهما واحدة، فكانت تمجدنى و تقدسنى و تهللنى. ثم قسمتها ثنتين، و قسمت الثنتين ثنتين، فصارت اربعة، محمد واحد، و على واحد، والحسن والحسين ثنتان، ثم خلق الله فاطمة من نور، ابتدأها روحا بلا بدن، ثم مسحنا بيمينه فأفضى نوره فينا.
سئلت عن هل يعني هذا بان الزهراء قد خلقت خامسا حسب التسلسل ام هي سلام الله عليها خلقت مباشرة من نور ابيها صلوات الله عليهم اجمعين ... واقصد هنا ان تكون الثالثة حسب التسلسل ام المسالة كلها تختلف عما اعتقد ؟

فأجبتُ بما يلي :

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أشكر لكم حضوركم و مشاركتكم و إستفساركم
أتمنى أن أكون قد أفدتكم بشيئ ,
إن شاء الله سأجيب على سؤالكم على قدر بضاعتي المزجاة , و لكن سأقدم على جوابي هذا بمقدمة أراها جدا مهمة , و إني أطلب منكم راجيا , حقيقة أن لا تنسوني من الدعآء لأن أحتاج كثيرا لدعآء المؤمنين و المؤمنات بالتوفيق , لأجل أمر أحزنني جدا و يهمني النجاح فيه كثيرا , فلا تنسوني من خالص دعواتكم بحق فاطمة الزهرآء سلام الله عليها .

يجب أن يُعلم بأن فهم أحاديث أهل البيت عليهم السلام على نحو الحقيقة غير ممكنة ما لم توسع السعة الوجودية للمتلقي , و لابد من وجود سنخية , و ذلك لأن أحاديثهم إنما قيلت على أفق عقلية الناس , و هذا الكلام يحتاج إلى تفصيل عميق نوعا ما , و لكن يجب أن نعلم أن الحقائق و المعاني لا يُمكن أن تُحد في قالب الكلمات , و إنما الألفاظ و الكلمات إنما هي عنوان تلكم الحقائق و المعاني , و ليست ظرفا لها . و لعل من أراد أن يتدبر أكثر في هذا المعنى يجب أن يبحث في معنى كتاب الله التكويني و كتاب الله التدويني في هذه الآيات الكريمات ,
" وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين " و هذه الآيات و " وكل شيء احصيناه كتابا " و كذلك هذه الآية , " انا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا واثارهم وكل شيء احصيناه في امام مبين " , و بعد ذلك يرجع إلى حديث الثقلين الشريف , و يتدبره , و من ثم يعرج إلى هذه الآية الكريمة : " وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم " و يتدبرها و يتفكر في معنى " لدينا " كثيرا , ثم يقرأ هذه الآيات الكريمة و يتدبر أن هذا القرآن هو أيضا في كتاب آخر , إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لّا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ , ثم يرجع و يقرأ حديث الثقلين مرة أخرى , و ثم يرجع و يقرأ هذه الآية الكريمة , " لو انزلنا هذا القران على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون " , فليتدبر هذه الآية الكريمة , ليرى إن نزل هذا القرآن بحقيقته دون أن يتنزل على جبل و هو أصمد مثال في عالم الدنيا , ماذا يحصل , ثم تدبر في معنى الوحي , ثم تدبر في هذه الآية الكريمة "انا سنلقي عليك قولا ثقيلا " , ثم تدبر في هذه الآيات الكريمات " وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ " , ثم إبحث في الروايات عن حالة " البُرحاء " , , فعندها قد يعلم شيئ من هذا البيان و يدرك بأن هذه الأحاديث الشريفة القدسية إنما قيلت لتقريب معاني و حقائق إلى أذهاننا و عقولنا القاصرة , و لعلنا نشبه ذلك عندما يريد الأب لإبنه أن يقرب له مثلا سعة الكون , فيستعين بعبارات قريبة و مؤانسة إلى ذهنية و عقلية الطفل , و لكن هذه العبارات الأطفالية بعيدة جدا عن واقع الحقيقة , و إنما أردت بهذا المثال أن أشير أن معرفتنا و ما ندركه من معاني هذه الأحاديث الشريفة لا تتعدى أفق العبارة , و لا تتعدى مقاربة لفظ لعنوان الحقيقة , و ليس معنى و كنه الحقيقة , فهذا الأفق من الحقيقة لا يتسنى لكل أحد , ما لم يؤذن له . فلذا أعلى ما يمكن أن يصلنا من فهم هذه الكلمات القدسية هي على نحو الإشارة . الذي ذكرته من هذا البيان مقتضب جدا , و لكن يكفي بأن يُدرك منه ما أرمي إليه , و قد ذكرت في موضوع سابق , هنا , شيئ من هذه المعاني بصورة مقتضبة أيضا .

فبعد هذه المقدمة الطويلة
أقول جوابا على سؤالكم الكريم , إن فهم أحاديث أهل البيت عليهم السلام على مستوى الألفاظ و التقيد بها , ليس صائبا , إذ أن أحاديث أهل البيت عليهم السلام على مراتب , و على حيثيات متعددة , إلا أن ما يظهر عندي , و لا أصوب أبدا فهمي , إنما أذكر ما أفهمه بعقلي القاصر , إن ما يظهر لدي من خلال قرائتي المتواضعة لأحاديث أهل البيت صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين , إن فاطمة الزهرآء سلام الله عليها سيدة نساء العالمين صلوات الله و سلامه عليها , هي ثاني نور مبتدأ بها الخلق , فالنور الأول , هو نور واحد نور محمد و علي صلوات الله و سلامه عليهما , و النور الثاني المخلوق بعد هذا النور الأول , نور فاطمة الزهرآء سلام الله عليها , و شطر النور الأول إلى نورين المحمدي و العلوي , نور باقي الأئمة مشتقة من إمتزاج نور العلوي و الفاطمي .
و أرجع و أذكر بأن فهم هذه الأحاديث على نحو و مستوى الألفاظ , هو بعيد جدا جدا جدا عن فهم الحقيقة ।

بشأن قضية نزول القرآن , أحببت إضافة هذه الإشارة , دون التفصيل فيها , إذ لا أملك الوقت و البضاعة لا سيما في مثل هذه الآونة

قال الله تعالى :

" وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا

وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً " سورة الإسراء المباركة الآية 105 - 106

تدبروا في قوله تعالى : " فَرَقْنَاهُ " هذا مشعر بالجزء من الكل , و هذا فيه إشارة لطيفة إلى ما أسلفنا من القول في عالم الكثرة و عالم الوحدة , بأن القرآن الكريم تنزل من حقيقة أعلى إلى حقيقة متناسبة مع هذا العالم , و أيضا مع الإشارة التي أسلفناها في موضوع التي أشرتم إليه , خصوص نبوة الأنبياء و أخذهم من عالم القرآن , بمراتبهم .



و أسألكم خالص الدعآء بحق فاطمة الزهرآء سلام الله عليها

يا علي

ليست هناك تعليقات: