زيارة عاشورآء القدسية


الأربعاء، 15 يونيو 2011

شيء عن معنى السجود الأخير في زيارة عاشوراء المقدسة

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد الأطيبين الأطهرين
و اللعنة الدآئمة الوبيلة على أعدآئهم و ظالميهم أجمعين


كنت سابقا قد كتبت شيئا عن هذا الأمر في إحدى مشاركاتي , فقلت إن أدرجت ما كتبته هناك إلى هنا قد يكون أنفع لي و قد يستفيد منه غيري أكثر , الموضوع الذي كتبت فيه مشاركتي هذه : هنا

عموما إليكم تلكم المشاركة مع بعض التغيير و الإضافات مع التنويه بأن هذه المشاركة بالأصل كانت مقدمة لمقال كنت قد كتبته في هذه المدونة بعنوان : " سر السّلام في الزيارات "


حقيقة أحببت أن أضيف على ما أسلفته من قول , بيانا موضحا , حول ما أفهمه من هذه الزيارة القدسية الشريفة , و الحقيقة ما سأقوله , كنت قد أعددته كجزئ على شرح الزيارة الشريفة , هنا , و الذي لم أكمله لحد الآن لكثرة مشاغلي , و كما أقول دائما , إن ما أطرحه , هو ما توصلت إليه حسب علمي القليل و وجهة نظري القاصرة , فلا يجب أن يؤخذ كلامي و كأنه حق بمطلقه , بل على كل واحد منا أن يتحرى عن حقيقة الأمر إلى أن يصل إليها , أحببت أن أؤكد على هذا الأمر , حتى تكون الأمور واضحة للجميع .


نحن إن رجعنا إلى كلمات أئمتنا الطيبون الطاهرون صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين , و على رأسهم الأمير سلام الله عليه , نجدهم يحثونا حثا شديدا على الإستعداد , و يؤكدون أننا في سفر أو في هجرة إلى الله عز و جل , الكثير يمر على هذه الكلمات مرور الكرام , دون أن يقف عندها , نحن حقيقتا في " سفر " , و لكن أي سفر , سفر إلى الله , هنا يوجد تفصيلات عدة , ذكرت بعضها في مدونتي , و لكن العرفاء يسمون هذا السفر بالسلوك , حيث أن له آداب معينة . إلى هنا عرفنا أننا في سفر , و السلوك هو آداب هذا السفر.


إنني في نظري أن زيارة عاشوراء بل كل الشعائر الحسينية و على رأسها زيارة عاشوراء , هي " البراق " و الوسيلة و لعلها الذريعة التي تطوى بها المسافات الشاسعة و المقامات الشامخة , بلمح البصر , لأننا كلنا في سفر , و هناك سابقون , و سبّاقون , كما في الآية الكريمة , " وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ " ।

و حتى تقف على هذه الحقيقة , أي حقيقة أن بالزيارة , أي زيارة المعصوم عليه السلام , تطوي بها المراحل السلوكية , و الكمالية نحو الله عز و جل , بلمح البصر , يكفيك أن تقرأ ما ذكرته من ترجمتي لكلام سماحة المرجع الكبير الشيخ وحيد الخراساني دام ظله العالي , هنا , المشاركة رقم 95 :
مع التنويه بأن كلامي لا يكون ترجمة كلية لكلام سماحته , بل هي ترجمة جزئية لبعض المواضيع و النكت التي أشار إليها , و رأيت أن في نقلها للعربية الفائدة المرجوة , فلذا ما سأكتبه يشبه الموجز أو المختصر لكلام سماحته دامت بركاته .



" في كتاب المزار ص 30 :
باب ثواب من زار الحسين عليه أفضل الصلاة و السلام راكبا و ماشيا و مناجاة الله لزائره




1- حدثني أبو القاسم جعفر بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله و محمد بن يحيى و عبد الله بن جعفر الحميري و أحمد بن إدريس
جميعا عن الحسن بن عبيد الله عن الحسن بن علي بن أبي عثمان عن عبد الجبار النهاوندي عن أبي سعيد عن الحسين بن ثوير بن أبي
فاختة قال قال أبو عبد الله عليه أفضل الصلاة و السلام يا حسين من خرج من منزله يريد زيارة الحسين بن علي صلوات الله و سلامه عليهما إن كان ماشيا كتب الله له بكل خطوة حسنة و حط بها عنه سيئة و إن كان راكبا كتب الله له بكل خطوة حسنة و حط بها عنه سيئة حتى إذا صار في الحائر كتبه الله من المفلحين المنجحين فإذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين حتى إذا أراد الانصراف أتاه ملك فقال إن رسول الله صلى الله عليه و آله يقرئك السلام و يقول لك استأنف العمل فقد غفر الله لك ما مضى




2- حدثني أبو القاسم عن أبيه عن سعد بن عبد الله و محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة
عن بشير الدهان عن أبي عبد الله عليه أفضل الصلاة و السلام قال إن الرجل ليخرج إلى قبر الحسين صلوات الله و سلامه عليه فله إذا خرج من أهله بأول خطوة مغفرة ذنوبه ثم لا يزال يقدس بكل خطوة حتى يأتيه فإذا أتاه ناجاه الله تعالى فقال عبدي سلني أعطك ادعني أجبك اطلب مني أعطك سلني حاجة أقضها لك قال و قال أبو عبد الله عليه أفضل الصلاة و السلام و حق على الله تعالى أن يعطي ما بذل



الترجمة الجزئية للنص الفارسي إلى اللغة العربية , مع ملاحظة أن هذه الكلمات مقتبسة من محاضرة لسماحته , و كما هو معلوم بأن تركيبة الكلام يفرق عما إذا كان الكلام إنشائيا مكتوبا । أما الترجمة الجزئية :

"أما المطلب الثالث :
ما هي وظيفتنا بالنسبة إلى صاحب هذه الأيام ؟ هل فهمنا أي دم أُريق ؟ هل علمنا من قــُتل ؟ الشيخ الطوسي , الشيخ الصدوق , و إبن قولويه رووا هذه الرواية , و مختصر هذه الرواية تكفينا . لأن " من هو " و " أين هو " هذا لا يعلمه أحد , أما بقدر الذي نستطيع أن نقول , هو هذا , إقرؤا من هنا , فهذا نص حديث صحيح , الذي مثل الشيخ الأنصاري الذي كان في موارد الإحتياط في النفوس , يُفتي على أساس سند هذا الحديث .



المسئلة في هذا الحديث هي , " أشهد ... " هذا كلام حجة الله , لسان الذي ضُمن عصمته , " أشهد أن دمك سكن في الخلد " , من هو الذي يستطيع أن يفهم من هو الحسين بن علي ؟ أين يكون الخُلد ؟ في الملأ الأعلى الذي هو مركز القديسين في هذا العالم , هذا الدم يكون زينة العرش و العالم .



الذي هو عينه على هذا العرش , أين يكون روحه ؟؟؟ أين الذي يفهم من قــُـتل ؟ كيف قــُـتل ؟ لماذا قــُـتل ؟



الإمام السادس عليه السلام يقول لحسين بن ثوير : " يا حسين من خرج من منزله يريد زيارة الحسين بن علي صلوات الله و سلامه عليهما " من هنا يجب أن يُفهم ما هو المطلب ؟



نحن لسنا بذلك المستوى و الحد الذي نستطيع معه أن نعرف شخصه هو , لذا علينا أن ننظر إلى آخر مرحلة التي فيها وصل شعاع من نور وجوده الشريف إلى أين وصل .




عندما يسطع شعاع نوره صلوات الله عليه , على زائره . الإمام عليه السلام يقول : إذا تمشي , يكتب لك بكل قدم حسنة , و تُمحى عنك سيئة , إذا كنت راكبا فبكل خطوة حسنة , و حط عن سيئة , هذه الأمور لها معاني , يعني هناك تتم عملية تصفية , يصفونك من الذنوب ويجردونك منها حتى يكون لك اللياقة للورود . هنا تتحير العقول عندما قال الإمام عليه السلام : " حتى إذا صار في الحائر كتبه الله من المفلحين المنجحين " يعني إذا صرت إلى باب الحائر فالله عز و جل يجعلك من المفلحين !!!!!



أنا نفسي متحير من هذا الخبر ؟!! عندما تصل إلى حَرَمِهِ تصبح من " المفلحين " ؟؟؟؟ ماذا يعني أن تصبح من المفلحين ؟؟؟؟؟



لنرجع إلى القرآن الكريم لنرى ما هي الشرائط الوصول إلى الفلاح , لنفهم بعدها بأن هذا النظام أي نظام هو , إقرؤوا سورة المؤمنون :



"قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ" أما من هم هؤلاء ؟؟ "الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ" بهذه الخصوصيات حتى يصل إلى هنا "وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ" , فعند وصوله إلى هذه المرحلة يصبح من " المفلحين " . هذا المقام عظيم بقدر الذي يذكر الله عز و جل ذلك في قوله تعالى : "ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ، أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ". و لكن بزيارة واحدة و عند وصولك لباب حائره الشريف تصبح من " المفلحين " , أي إكسير هذا ؟؟ حتى يفعل هذا الفعل . يُقلب و يبدل الحديد إلى الذهب الأحمر , لأجل أن مشى خطوات في سبيل زيارة قبره ؟؟!!!! هذا مطلب مهم , تدبروا في دقائقه .



ثم بعد ذلك يستمر الإمام سلام الله عليه بقوله : " فإذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين " , هنا حج البيت , مع هذا الفرق بأن هناك حج إلى البيت , و هنا حج إلى الله . الحج هو القصد , و المقصد هناك الكعبة , أما المقصد هنا هو الله عز و جل . لأن بنص الصحيح ورد "من زار الحسین کان کمن زار الله فی عرشه" فما الذي يحصل للزائر بعد أن فرغ من حجه إلى الله , ماذا يحصل بعد ذلك ؟؟ هنا المطلب الذي تتحير فيه العقول , و هو قوله عليه السلام : فإذا قضى مناسكه فإن الله يكتبه من " الفائزين " . فقد إنقلب عند وصوله إلى باب الحائر من مقام المفلحين , بوصوله إلى فوق رأسه الشريف إلى مقام الفائزين !!!!!! فما هو مقام الفائزين ؟؟؟؟؟ يجب أن ننظر في متن كلام الله عز و جل لنفهم الحديث .



"الَّذِينَ آمَنُوا..." إنظروا الآن أي دقائق في هذه النصوص , و اي شرائط قد ذكرت فيها حتى يصل المرئ إلى مقام الفائزين : "الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا" هذه الكلمة الثانية , "وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ" , فمقام الفائزون هو هذا المقام الذي : "يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ ، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ". فهنا المرحلة التي تعتبر مرحلة كمال السعادة البشرية , و هي ( أي وصولك إلى مقام الفائزين التي تعتبر مرحلة كمال سعادة البشرية ) منوطة فقط بوصولك إلى فوق رأس قبر حسين بن علي صلوات الله و سلامه عليه !!!!!



فالذي زيارته فقط , يُقلبك بهذه الكيفية , ( و يطوي لك المقامات بهذه السرعة ) , هل يُتصور ماذا سيحدث في يوم القيامة عندما تأتي أمه و بضلع مكسور , و عضد مورّم , و بذلك القميص الدامي الذي تضعه فوق رأسها , و ماذا سيفعل أو ستفعل ؟؟؟؟؟


لهذا يجب أن تنقلب هذه البلاد في هذه السنة و تصبح كلها " يا حسين " يجب أن تكون في كل أرجاء هذا البلد من شرقها و غربها شمالها و جنوبها كلها نوحة و عزاء و بكاء و صيحة في عزاء هكذا شخصية ... الذي العالم مُنقلب لأجله . الناس تظن بأن هذه المراسيم و هذه التعزيات في حد الإفراط , أين العقل و أين الشعور . فكل ما هو موجود إنما هو تفريط . الواقعة هي واقعة التي بنص الصحيح الوارد , قد بكت لأجلها جميع الخلائق , "بکت السماوات السبع والارضون السبع، وما فیهنّ و ما بینهنّ، وما یُری وما لا یُری".


الناس يجب أن يستيقضوا . فهذا بن حجر الهيتمي قد صرح , كل رجال العامة , لينظر أصحاب الرأي و الحديث في هذا , عندما رُفع رأسه الشريف فوق القنا , وُجد تحت كل حجر في أصقاع الأرض أجمعها دما عبيطا .


ما هي وظيفة الناس في أيام عاشوراء ؟ يا شيعة علي بن أبيطالب سلام الله عليهما , لا تصغوا إلى هذه اللاطائلات . فإذا قصرتم يدكم عن التمسك بحبله , فقد خسرتم الدنيا و الآخرة . فهذا الدين , و هذا التوحيد , و هذا القرآن , حي و موجود فقط بدمه الشريف . فهو الذي , من خلال إقدامه و عمله ذاك , إستطاع أن يحمي الدين إلى يوم القيامة , "وأوضح بك الكتاب... وأوضح بك الكتاب"و هو الذي رفع النقاب عن وجه القرآن , و أحيا الدين و الإيمان .


و إلا فلماذا مئة و أربعة و عشرين ألف نبي يطوفون حول قبره كالفراشة ؟؟؟؟؟ لأن لولا العاشوراء , كان قد ذهب كل ما فعله و أتى به الأنبياء و المرسلين سلام الله عليهم , أدراج الرياح .


اللهم صلّ وسلـّم علیه، صلاة دائمة، اللهم صلّ علی الحسین وعلی علیّ بن الحسین وعلی اولاد الحسین وعلی اصحاب الحسین.


المصدر :


http://www.vahid-khorasani.ir/web/in...911&Itemid=624
"
إنتهى كلام سماحة المرجع الوحيد دام ظله ।

"
هل رأيتم كيف طوى الزائر مقامات تُستحصل بشق الأنفس مثل المفلحين المنجحين الفائزين , بزيارة واحدة للمعصوم صلوات الله و سلامه عليه ؟ الأمر لا يقف عند هذا لو كنت تعلم , فإن أباعبدالله محور لسلوك جميع الخلق نحو الله عز و جل , و من جملتهم الأنبياء سلام الله عليهم أجمعين .


ما سر هذه الزيارات , كيف تطوى بها مسيرة ألف سنة , بزيارة واحدة ؟
الفرق يكمن في المعرفة , فإنك إن رجعت لكلمات أئمتنا الطيبون الطاهرون صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين , ستجد أنهم يؤكدون على الزيارة المقرونة بالمعرفة , من زاره عارفا بحقه فله كذا و كذا , و كما كنت قد حدثتكم في موضوع شرح الزيارة , أن مقتضى قاعدة إتحاد العاقل و المعقول تؤدي إلى أن تكون العقيدة و المُعتقَد , شيئا واحدا , و بإعتبار آخر , أن كمال كل واحد منا في تمامية معرفته بالمعصوم عليه السلام , بل و كما في الآية163 من سورة آل عمران المباركة , " هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ " , لا حظ عزيزي القارئ , الله عز و جل قال " هم " درجات , و ليس " لهم " درجات , أي أصبح هناك مماثلة بينهم و بين الدرجة التي هم عليها , و إنك لو تدبرت في الآية التي بعدها بعين أهل البيت العصمة و الطهارة سلام الله عليها , ستنفتح لك آفاقا جديدة أخرى , في كيفية كمال الإنسان و دور المعصوم عليه السلام في تربية عباد الله لتوصيل كل واحد إلى أقصى كماله ।
نعود لموضوعنا

فإذا الزيارة بها تطوى المسيرة الكمالية للإنسان نحو الله عز و جل كما هو واضح من إستفادتنا من كلام و توضيح سماحة المرجع الكبير الوحيد الخراساني دام ظله , و كنت قد بينت في مقام آخر , عن أن هذا السفر , هو بإعتبار آخر عبارة عن هجرة إلى الله عز و جل , و في هذا يحدثنا أميرنا صلوات الله و سلامه عليه :

قال الله تعالى :

" وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا "


" يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ "


لاحظ أولا في الآية الكريمة , الفرق بين الهجرة في سبيل الله , و الهجرة إلى الله و رسوله , فهذه الآية قد أشارت أن الهجرة "في " سبيل الله , و لكن الغاية هي " إلى " الله و رسوله .

هذه الهجرة إلى الله عز و جل لا تكون إلا بمعرفة حجة الله في أرضه , كما يحدثنا بذلك أميرالمؤمنين علي بن أبيطالب سلام الله عليهما في نهج البلاغة الشريف الخطبة رقم 189 :


وَالْهِجْرَةُ قَائِمَةٌ عَلَى حَدِّهَا الاْوَّلِ مَا كَانَ لله تعالى فِي أَهْلِ الاْرْضِ حَاجَةٌ مِنْ مُسْتَسِرِّ الاْمَّةِ وَمُعْلِنِهَا،
لاَ يَقَعُ اسْمُ الْهِجْرَةِ عَلَى أَحَد إلاَّ بِمَعْرِفَةِ الْحُجَّةِ في الاْرْضِ، فَمَنْ عَرَفَهَا وَأَقَرَّ بِهَا فَهُوَ مُهَاجِر , وَلاَ يَقَعُ اسْمُ الاسْتِضْعَافِ عَلَى مَنْ بَلَغَتْهُ الْحُجَّةُ فَسَمِعَتْهَا أُذُنُهُ وَوَعَاهَا قَلْبُهُ.

الإمام المعصوم سلام الله عليه , هو وجه الله الذي به يتوجه الأولياء , و هو باب الله الذي منه يؤتى , و من أراد الله بدأ بكم । الزيارة الجامعة الكبيرة الشريفة . [ من هنا يتبين لك عن سر من أسرار الزيارة و لماذا تزور الإمام سلام الله عليه ]

و بما أن هذه الخطبة تجمع الكثير من المعارف اللهية , فلا يأتي من قلبي أن أتركها دون أن أذكرها بكاملها :


ومن خطبة لمولانا أميرالمؤمنين على بن أبي طالب صلوات الله عليه

[في الايمان ووجوب الهجرة
]
[أقسام الايمان]
فَمِنَ الاْيمَانِ مَا يَكُونُ ثَابِتاً مُسْتَقِرّاً فِي الْقُلُوبِ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ عَوَارِىَ بَيْنَ الْقُلُوبِ وَالصُّدورِ، إِلَى أَجَل مَعْلُوم، فَإِذَا كَانَتْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ مِنْ أَحَد فَقِفُوهُ حَتّى يَحْضُرَهُ الْمَوْتُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقَعُ حدُّ الْبَرَاءَةِ।

[وجوب الهجرة]

وَالْهِجْرَةُ قَائِمَةٌ عَلَى حَدِّهَا الاْوَّلِ مَا كَانَ لله تعالى فِي أَهْلِ الاْرْضِ حَاجَةٌ مِنْ مُسْتَسِرِّ الاْمَّةِ وَمُعْلِنِهَا، لاَ يَقَعُ اسْمُ الْهِجْرَةِ عَلَى أَحَد إلاَّ بِمَعْرِفَةِ الْحُجَّةِ في الاْرْضِ، فَمَنْ عَرَفَهَا وَأَقَرَّ بِهَا فَهُوَ مُهَاجِرٌ، وَلاَ يَقَعُ اسْمُ الاسْتِضْعَافِ عَلَى مَنْ بَلَغَتْهُ الْحُجَّةُ فَسَمِعَتْهَا أُذُنُهُ وَوَعَاهَا قَلْبُهُ.

[صعوبة الايمان]
إِنَّ أَمْرَنا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ، لاَ يَحْتَمِلُهُ إِلاَّ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ لِلاِيمَانِ، وَلاَ يَعِي حَدِيثَنَا إِلاَّ صُدُورٌ أَمِينَةٌ، وَأَحْلاَمٌ رَزِينَةٌ.

[علم الوصي]
أَيُّهَا النَّاسُ، سَلُوني قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُوني، فَلاَنَا بِطُرُقِ السَّماءِ أَعْلَمُ مِنِّي بِطُرُقِ الاْرْضِ، قَبْلَ أَنْ تَشْغَرَ بِرِجْلِهَا فِتْنَةٌ تَطَأُ فِي خِطَامِهَا وَتَذْهَبُ بِأَحْلاَمِ قَوْمِهَا.


فكلُ مسافر , و المسافر كما يُعرفنا ذلك إمام الأمة السيد روح الله الحسيني الموسوي الخميني قدس الله سره الشريف في كتابه القيم , شرح أربعون حديثا , تحت حديث " إعرفوا الله بالله "

إن الشرط الأول في السير إلى الله ، هو الخروج من البيت المظلم للنفس والذات والأنانية . فكما أن الإنسان في السفر الخارجي العيني المحسوس ، لا يكون مسافرا ما دام هو في مكانه وبيته رغم تخيّله السفر وتحدثه عن كونه مسافرا ، بل لا بد من ترك المكان ومغادرة البيت حتى يقال أنه مسافر ، وكما أن السفر الشرعي لا يتحقق إلا بعد مغادرة البلد واختفاء آثاره ، فكذلك لا يتحقق هذا السفر العرفاني إلى الله ، والهجرة الشهودية إلا بعد التخلي عن البيت المظلم للنفس واختفاء آثارها ومعالمها ، لأنه ما دامت آثار التعينات مشهودة وأصوات الكثرات مسموعة ، لا يكون الإنسان مسافرا ، بل أنه تخيل السفر وادعى السير والسلوك قال الله تعالى : "
ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يُدركه الموت فقد وقع أجره على الله» " فبعد أن يغادر السالك إلى الله بخطوات ترويض النفس والتقوى الكاملة من بيت النفس ، ولم يصطحب معه في هذا الخروج العُلقة الدنيوية ، والتعيّنات ، ويتحقق له السفر إلى الله سبحانه ، يتجلى له الحق المتعالي قبل كل شيء ، على قلبه المقدس بالألوهية ومقام ظهور الأسماء والصفات . ويكون هذا التجلي أيضا مرتّبا ومنظما ، حيث ينطلق من الأسماء المحاطة مرورا بالأسماء المحيطة حسب شدة السير وضعفه وحسب قوة قلب السالك وضعفه على التفصيل الذي لا يستوعبه هذا الكتاب المختصر ، حتى ينتهي إلى رفض كل تعينات عالم الوجود سواء كانت تعينات تعود إلى نفسه أو تعينات راجعة إلى غيره والتي تعتبر ـ أي هذه التعيينات الغيرية ـ في المنازل والمراحل التالية من التعينات العائدة إلى نفسه أيضا ويعد الرفض المطلق ، يتم التجلي بالأهولية ، ومقام الله الذي هو مقام أحدية جمع ظهور الأسماء ، وتظهر «إعرِفوا الله بالله» في مرتبتها الأولية النازلة । ...
و قد يتضح المطلب أكثر حين الرجوع إلى ما كتبه السيد الإمام الخميني قدس الله سره الشريف في كتابه آداب المعنوية للصلاة , الذي هو بحق آداب العروج بالصلاة إلى الله عزوجل , حين تحدث عن رجوع الكائنات أجمع إلى الإنسان الكامل صلوات الله و سلامه عليه ।
و من هذا المنطلق أتى تعبيري و تعليقي على موضوع أخي الكريم عبدالعظيم في قضية السجدة , فقلت عندها :

" وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ
" لعل في السجود الأخير من زيارة عاشوراء الشريفة , توضيح معنى هذا القرب , أن يكون الذي يروم الإقتراب ثابت القدم عند الله مع حجة الله سلام الله عليه أباعبدالله الحسين صلوات الله و سلامه عليه , أي بمعية حجة الله سلام الله عليه أباعبدالله الحسين عليه السلام ।
"

الآن و بعد أن وصلت بك إلى هذه المرحلة , أريد معك أن تتدبر في فقرات زيارة عاشوراء الشريفة , لنقف على هذه الحقيقة بأن فعلا أن هذه الزيارة و مثيلاتها الكريمات , هي منهاج سلوك إلى الله عز و جل و وسائل قرب , تطوى بها مسيرة ألف عام في رمشة عين , في الكمالات الإنسانية .

آخذ معك عينة واضحة المعالم , جميعنا يعلم , أن المناداة يكون من البُعد , و المناجاة يكون من القُرب , و لكن هل فعلا سنلمس هذه القضية في زيارة أبي عبدالله الحسين عليه السلام , أجيبك بنعم و بوضوح تام , السالك في زيارته لولي الله الأعظم أبي عبدالله الحسين عليه السلام حينما يقرأ في بداية الزيارة , و يقول في بداياتها , " بِأبِي أنْتَ وَاُمِّي لَقَدْ عَظُمَ مُصابِي بِكَ ، فَأسْالُ اللهَ الّذِي أكْرَمَ مَقامَكَ ، وَأكْرَمَنِي بِكَ ، أنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إمام مَنْصُور مِنْ أهْلِ بَيْتِ مُحَمَّد صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ" , الخطاب هنا بـ " ثارك " و هو صيغة المخاطب و البعيد , أي صيغة المناداة , و لكن بعد أن يستمر الزائر في زيارته , يمر بهذه الفقرات , " يَا أبَا عَبْدِ اللهِ ، إنِّي أتَقَرَّبُ إلى اللهِ تعالى ، وَإلَى رَسُولِهِ ، وَإلى أمِيرِ المُؤْمِنينَ ، وَإلَى فاطِمَةَ ، وإلى الحَسَنِ وَإلَيْكَ بِمُوالاتِكَ وَبِالْبَرَاءَةِ مِمَّنْ قَاتَلَكَ وَنَصبَ لَكَ الحَربَ ... " , هنا و بوضوح تام يقول الزائر أنه في حال " التقرب " إلى الله و رسوله و أهل بيته الأطيبين الأطهار , إلى أن يصل القارئ في زيارته فيقول , " فَأسْألُ اللهَ الّذِي أكْرَمَني بِمَعْرِفَتِكُمْ ، وَمَعْرِفَةِ أوْلِيائِكُمْ ، وَرَزَقَني البَراءَةَ مِنْ أعْدائِكُمْ ، أنْ يَجْعَلَني مَعَكُمْ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ ، وَأنْ يُثَبِّتَ لي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْق في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ ، وَأسْألُهُ أنْ يُبَلِّغَنِي الْمقامَ الْمَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ ، وَأنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثَارِي مَعَ إمَام مَهْدِيٍّ ظَاهِر نَاطِق بالحقِّ مِنْكُمْ " , فبعد أن أكرمه الله بالمعرفة و القرب , يسئل الزائر ثبات القدم "عندهم " صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين , و يسئله أن يصل إلى المقام المحمود لهم عند الله , أي بمعيتهم , كما في الآية " مع الصادقين " و ليس " من الصادقين " تدبر هذه الفروقات تنفتح لك آفاقا , و بعد ذلك , هنا إنتبه عزيزي القارئ , بعد ذلك يطلب من الله عز و جل , أن يرزق " ثاره " و ليس كما في بداية الزيارة , " ثارك " . الزائر هنا قد إقترب و يقول بصيغة مفرد و صيغة المناجاة بدل من صيغة المناداة, أن هذا الثار أصبح ثاره !!!!!! . و هذه الإشارات تتكرر في هذه الزيارة الشريفة من عظم المصاب مثلا إلى السلام , من الجمع إلى المفرد , من الكثرة إلى الوحدة , و هكذا .

لعل القارئ الكريم مستغرب من هذا المعنى , و لكن ليس شيئ بمستغرب , فإن قضية واضحة مثل مناداة بثارك إلى مناجاة بثاري , تكون واضحة المعالم إن رجعنا إلى القرآن الكريم و أحاديث أهل بيت العصمة و الطهارة سلام الله عليهم أجمعين .

فنحن نجد مثلا في القرآن الكريم , " إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ " , الإتباع المُشايعة , أو في رواية , " سلمان منا أهل البيت " , أو في رواية أخرى كما أتخطر حينما يُسئل الإمام عليه السلام عن من هم آل محمد , فيجيبه الإمام قائلا , " شيعتنا من آل محمد " فإن أصبحت من آل محمد , فإن ثارك يصبح ثارهم , فيحنها تقول و تناجي , اللهم ارزقني طلب ثاري مع إمام مهدي ظاهر ناطق بالحق من آل محمد صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين , و لاحظ أيضا طلب الثار يكون " بمعية " حجة الله بن الحسن العسكري عجل الله فرجه الشريف .

فإذا بإستحصال مقام التشيع تكون من آل محمد صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين , و لكن هذا لا يكون إلا بالمعرفة , بالمعرفة الحقة الصادقة , كما كان سلمان , إنما سلمان صار سلمانا , لأنه عرف إمام زمانه فصار من شيعته ।
و كذلك معنى العكس أيضا وارد , كمثل قضية إبن نوح , فنبي الله نوح سلام الله عليه , قال " وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ , قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ " , لاحظ الآية الكريمة , قالت عن الإبن , بأنه عمل , أرجع بك إلى قضية إتحاد العاقل و المعقول حتى تتدبرها مرة أخرى , أي الإبن هو صار عمل غير صالح , و ليس أن تفهم القضية بأن نوح معاذ الله أن صيره عمل غير صالح .

و الروايات الدالة على هذا المعنى عديدة , و أوضح ما أورده في هذا الأمر هو ما قاله الامام علي أمير المؤمنين عليه السلام : القريب من قربته المودة وان بعد نسبه والبعيد من باعدته العداوة وان قرب نسبه

فالزيارة الحسينية الشريفة بل كل أمر يتعلق بالحسين عليه السلام هي وسيلة تطوى بها مسيرة ألف سنة من السلوك الكمالي نحو الله عز و جل , برمشة عين , كما قال الإمام الصادق عليه السلام: (كلنا سفن النجاة ولكن سفينة جدي الحسين أوسع وفي لجج البحار أسرع)। بل حتى السجود على تربته الشريفة تخرق الحجب السبع و يكفيكم أن تسمعوا محاضرة المرجع الكبير الشيخ الوحيد الخراساني في فقه هذه الرواية لتذهلوا عن عظمة هذا الأمر , بل كل أمر يتعلق بأبي عبد الله الحسين عليه السلام , و إني لا زلت لم أقل شيئا , فحتى لقبه الشريف " أبا عبد الله " فيها من الأسرار و العمق ما لا يعلمه إلا الله , هذا هو الحسين , فإن كان إسمه هكذا , إن كانت زيارته هكذا إن كانت تربته هكذا , فكيف هو , آه عليك يا أبا عبدالله , هل هكذا يفعلون بك , تذبح من الوريد إلى الوريد عطشانا غريبا مظلوما ,

فيا أباعبدالله
السلام عليك

سَلامُ مَن لَو كَانَ مَعَكَ بِالطُّفُوفِ لَوَقَاكَ بِنَفسِهِ حَدَّ السُّيُوفِ ، وبَذَلَ حَشَاشَتَهُ دُونَك لِلحُتُوف ، وجَاهَد بَينَ يَدَيكَ ، ونَصَرَكَ عَلى مَن بَغَى عَلَيكَ ، وَفَدَاك بِرُوحِه وَجَسَدِهِ ، وَمَالِهِ وَولْدِهِ ، وَرُوحُهُ لِرُوحِكَ فِدَاءٌ ، وَأهْلُهُ لأهلِكَ وِقَاءٌ ।

فَلَئِنْ أخَّرَتْني الدُّهُورُ ، وَعَاقَنِي عَنْ نَصْرِكَ المَقْدُورُ ، وَلَمْ أكُنْ لِمَنْ حَارَبَكَ مُحَارِباً ، وَلِمَنْ نَصَبَ لَكَ العَدَاوَةَ مُناصِباً ، فَلأنْدُبَنَّكَ صَبَاحاً وَمَسَاءً ، وَلأبْكِيَنَّ لَكَ بَدَل الدُّمُوعِ دَماً ، حَسْرَةً عَلَيكَ ، وتَأسُّفاً عَلى مَا دَهَاكَ وَتَلَهُّفاً ، حَتَّى أمُوتُ بِلَوعَةِ المُصَابِ ، وَغُصَّةِ الاِكْتِئَابِ .


تنويه : كما قلت سابقا فإن هذه المشاركة بالأصل كانت مقدمة لمقال كتبته في هذه المدونة بعنوان : "
سر السّلام في الزيارات " لذا من أراد الإستزادة فعليه بقرآءة هذه المقالة , إن شاء ذلك طبعا .

يا لثارات الحسين


و أسألكم الدعآء و أعتذر عن الإطالة
يا حسين






ليست هناك تعليقات: