{ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ }
{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ }


قيل بيان لما يطلب به العزّة وهو التّوحيد والعمل الصّالح.


والقمّي قال كلمة الاخلاص والاقرار بما جاء به محمد صلّى الله عليه وآله من عند الله من الفرائض والولاية ترفع العمل الصالح الى الله.
وعن الصّادق (صلوات الله و سلامه عليه ): الكلم الطّيّب قول المؤمن: لا اله الاّ الله، محمّد رسول الله (صلى الله عليه و آله الأطهار)، علىّ ولىّ الله (صلوات الله و سلامه عليه ) وخليفة رسول الله (صلى الله عليه و آله الأطهار)، والعمل الصّالح الاعتقاد بالقلب انّ هذا هو الحقّ من عند الله لا شكّ فيه من ربّ العالمين،
وعنه (عليه أفضل الصلاة و السلام ) فى هذه الآية قال: ولايتنا اهل البيت، واومى بيده الى صدره، فمن لم يتولّنا لم يرفع الله له عملاً،
وفي الإِحتجاج عن امير المؤمنين عليه السلام من قال لا اله الاّ الله مخلصاً طمست ذنوبه كما يطمس الحرف الاسود من الرّق الأبيض فاذا قال ثانية لا إله الاّ الله مخلصاً خرقت ابواب السماء وصفوف الملائكة حتى تقول الملائكة بعضها لبعض اخشعوا لعظمة امر الله فاذا قال ثالثة مخلصاً لا إله إلاّ الله لم تنته دون العرش فيقول الجليل اسكتي فوعزّتي وجلالي لاغفرنّ لقائلك بما كان فيه ثم تلا هذه الآية { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ } يعني اذا كان عمله خالصاً ارتفع قوله وكلامه { وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ } المكرات السيّئات قيل يعني مكرات قريش للنبيّ صلّى الله عليه وآله في دار النّدوة وتدارئهم الرّأي في احدى ثلاث حبسه وقتله واجلائه.
وعن الباقر (عليه أفضل الصلاة و السلام ) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله الأطهار): " انّ لكلّ قولٍ مصداقاً من عملٍ يصدّقه او يكذّبه فاذا قال ابن آدم وصدّق قوله بعملٍ رفع قوله بعمله، واذا قال وخالف عمله قوله ردّ قوله على عمله الخبيث وهوى فى النّار "
فإن كل علم و إعتقاد قلبي يترشح منه نوع من العمل يناسب ذلك العلم كذلك العكس , فإن كان نوع من العمل صالحا أو طالحا فإنه يركز و يحصل في النفس نوعا خاصا من العلم و الإعتقاد ينسجم معه , فمثلا عن عمل الطالح : " ثم كان عاقبة الذين اساؤوا السواى ان كذبوا بايات الله وكانوا بها يستهزؤون " و كذلك قوله تعالى " فاعقبهم نفاقا في قلوبهم الى يوم يلقونه بما اخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون "
و قد ورد عن صادق عترة الطاهرة سلام الله و صلواته عليه و عليها : " العلم مقرون بالعمل , فمن علم عمل و من عمل علم "
و أيضا في حديث نبوي شريف : " من عمل بما علم رزقه الله علم ما لم يعلم " و هو معنى قوله تعالى : " من كان يريد حرث الاخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الاخرة من نصيب "
و كذلك معنى قوله تعالى : " اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر اولئك هو يبور "
و قد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب صلوات الله و سلامه عليهما و كذلك عن رسول الله الأعظم صلى الله عليه و آله الأطهار : " (ليس العلم في السماء فينزل إليكم، ولا في الأرض فيخرج إليكم، إنما العلم في قلوبكم، تخلّقوا بأخلاق الروحانيين يخرج اليكم) "
و هذه الآيات أيضا تدل على مدخلية الولاية في قبول العمل شرطا كما تدل على هذا المطلب أيضا آية : " واني لغفار لمن تاب وامن وعمل صالحا ثم اهتدى "
العلم من المعاني الإضافية التي يتوقف تعلقها وتصورها على معانِ أُخرى، فهو رابط بين العالم والمعلوم، أي بين ما كان مجهولاً من قبل فصار معلوماً عند العالم بعد العلم به، فبعد أن يكون الشيء مجهولاً فيكشف أمره لمن أراد أن يعلم به، فيكون معلوماً، فيكون العلم الذي هو بمعنى الكشف والظهور ورفع الجهل، وانطباع صورة الشيء في الذهن، أو حصوله في الذهن.
وهو إما أن يكون حصولياً أو حضورياً ـ كما هو المذكور بالتفصيل في كتب الفلسفة والمنطق ـ إلا أنه من ناحية أخرى لنا تقسيم جديد، فإنه ينقسم الى اللدنّي والكسبي، او بعبارة اخرى : الى العلم الإلهي من لدن حكيم مباشرة او بوسائط بشرية كالأنبياء والأوصياء والعلماء.
ويقصد من الأول أنه من عند الله من لدن حكيم، وهو يختص بخاصّة عباده، والثاني لعامة الناس. ثم اللدنّيّ على نحوين: فإما ان يكون وحياً بملَك أو غيره، كالرؤيا النبوية للأنبياء والمرسلين، او إيحاءً، وهو على نحوين أيضاً : إما ان يكون قرعا في الأسماع ونكتا في القلوب، وهو مختص بالأوصياء والأئمة الأطهار(عليهم أفضل الصلاة و السلام )، او إلهاماً من الله سبحانه، وهذا من الكلّي التشكيكي، و هو ذو مراتب طوليّة وعرضيّة، ينزل من السماء، بفيض من الله عزوجل يختص به الأولياء والمؤمنون الصلحاء، فإن المؤمن محدَّث ـ بفتح الدال ـ تحدثه الملائكة إلهاماً، كما ورد في دعاء المطالعة حيث يستحب الدعاء قبل مطالعة الكتاب : (اللهم ارزقني فهم النبيين وحفظ المرسلين وإلهام الملائكة المقربين)، كما أنه ورد في أوصاف المؤمنين والمتقّين أن الله يناجيهم في سرّهم ـ أي نفوسهم ـ فيلهمهم سبحانه وتعالى من العلم اللدنّي الالهي ـ وربما من هذا ما ورد في حق السيدة زينب الكبرى عليها السلام عن الأمام السجاد(عليه أفضل الصلاة و السلام ) : (انت عالمة غير معلمة) ـ .
وقد ورد في أحاديثنا الشريفة: (ليس العلم بكثرة التعلم، إنما العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء أن يهديه)، وايضاً: (ليس العلم في السماء فينزل إليكم، ولا في الأرض فيخرج إليكم، إنما العلم في قلوبكم، تخلّقوا بأخلاق الروحانيين يخرج اليكم)، و (القلوب أوعية خيرها اوعاها)، وإنَّ قلب المؤمن حرم الله وعرش الرحمن وبيته المعمور.
{وَ اتَّقُوا اللهَ وَيُعَلّمُكُمُ اللهُ}(البقرة: 282)
ثم دائرة هذا العلم الإلهامي والذي يتناسب مع الذوق السليم والكشف الصادق هي المعارف الربّانية وعلم حقائق الأشياء، والتي يتخلص منها المعرفة الجمالية والكمالية في الأحكام الشرعية وبواطن الأمور وملكوتها، فإن الحكم الإلهي في الشرائع السماوية إنما هو توقيفي، فانه يتوقف على إذن من الشارع المقدس، ولا يحق لأحد أن يضع حكماً شرعياً ويجتهد في مقابل النصّ، والعلم بالأحكام الشرعية من العلم الظاهري، يتكفل في إستنباطها في أيام الغيبة الكبرى الفقهاء العظام ـ مع اجتماع الشرائط فيهما كما هو مذكور في الكتب الفقهية ـ وأما معرفة حكمة الحكم الشرعي فهو من العلم الباطني الملكوتي الغيبي، ويدخل في إطار العلم اللدني الالهامي، وإنه يتوقف على تهذيب النفس وصفاء الروح، فكلما صفا القلب وتنوّر كان مرآة لمعرفة جمال الأشياء وكمالها، وهي المعرفة الحقيقية، وإنها نتيجة التقوى والروحانية في المؤمن، وإنها من مائدة الله، قد أعدّها لمن كان ضيفه ووفده في مثل شهر رمضان المبارك أو الحج أو الزيارة أو الأوقات المقدسة أو الأماكن والمشاهد المشرّفة، او في خدمة القرآن الكريم، وفي كل ما ينسب اليه عزّ وجلّ، فمن يزور المؤمن لا لحاجة عنده، بل للزيارة وحسب، فهو ضيف الله في عرشه ـ كما ورد في الأثرـ ويكون على موائده من الأسماء الحسنى والصفات العليا، فيتنعم في الحضرة القدسية، ويتلذذ بذكر الله جل جلاله، ويطمئن قلبه، وينشرح صدره، ويفنى في توحيده وجلاله وجماله وكماله، ويطوف مع ملائكته حول عرشه، وفي الأرض يطوف جسده مع الناس حول الكعبة المشرفة في بيت الله الحرام، وروحه معلّقة بالملأ الأعلى، ويطوف بقلبه حول البيت المعمور في السماء الرابع، وحول العرش في السماء السابع، وتفتح عندئذ بصيرته، وباب فهمه، ليرى ملكوت السماوات والأرض، فيرى حقائق الأشياء كما هي، ويقف على أسرار الكون والخلقة بحسب الطاقة البشرية، ويعرف نفسه فيعرف ربّه، فيزهد في الدنيا وما فيها من الزخارف والزبارج، فإنه يرى حقيقتها الدنيّة والزائلة، وأنها أدام الكلاب، فإن الدنيا جيفة وطّلابها الكلاب، يتكالبون على متاعها الزائل، ومظاهرها الفانية، ورذائلها الخسيسة، وأوهامها وأباطيلها المقيته، إنه يعرف فلسفة الحياة وسرّ الخليقة، فيشدّ حزامه لآخرته، إذ يرى أنه لم يخلق للدنيا، بل هي دار ممرّ، فهو ابن الآخرة وابن جنّاتها التي عرضها السماوات والأرض، أُعدت للمتقين، يسبّح في غمراتها، وينال رضوان الله وغفرانه.
وإنما ينال هذا العلم الإلهامي بالتقوى، قال سبحانه وتعالى:{وَ اتقَّوا اللهَ وَيًعَلّمُكُمُ اللهُ}.(البقرة: 282)
فالمؤمن مُلهم، يفيض الله عليه من علمه المطلق غير المتناهي، وتنكشف له بعض الحقائق الكونيّة، وبعض أسرار العبادات والأحكام الشرعية، ويقف على بعض حِكم المصالح والمفاسد، وتفتح له آفاق جديدة في المعارف والعلوم، ومِن رجال العلم النافع والعمل الصالح مَن تنكشف له الحقائق كل يوم بالعشرات، ومنهم في العام تنكشف له حقيقة من الحقائق، ولله في دهركم نفحات قدسية ألا فتعرضوا لها .
ولمّا كان اصل جميع الكلم الطّيّب هو كلمة الولاية والقول بها والاعتقاد بها صحّ تفسير الكلم بالولاية، ولمّا كان اصل جميع الصّالحات هو عمل الولاية الّتى هى البيعة الخاصّة الولويّة الّتى يترتّب عليها جميع الخيرات وجميع الاعمال الصّالحات ولا يصير الصّالح صالحاً الاّ بها صحّ تفسير العمل الصّالح بها مع انّ الآية عامّة لجميع الكلمات وجميع الاعمال
و قد وردت آيات أخرى تبين معنى و مصداق للكلمة الطيبة , بذكر مثال , قال الله تعالى شأنه و تقدس :
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء
تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء
فقد وردت في رواياتنا الشريفة بيان مصداق هذه الآيات الشريفة :
ففي تفسير القمي عن ابيه عن الحسن بن محبوب عن ابى جعفر الاحول عن سلام بن المستنير عن ابى جعفر (عليه السلام) قال سألته عن قول الله " مثل كلمة طيبة الآية " قال الشجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) اصلها نسبه ثابت في بني هاشم وفرع الشجرة علي بن ابي طالب (عليه السلام) وغصن الشجرة فاطمة (عليها السلام) وثمرتها الائمة من ولد على وفاطمة (عليهم السلام) وشيعتهم ورقها وان المؤمن من شيعتنا ليموت فتسقط من الشجرة ورقة وان المؤمن ليولد فتورق الشجرة ورقة قلت أرأيت قوله " تؤتي اكلها كل حين باذن ربها " قال يعني بذلك ما يفتون به الائمة شيعتهم في كل حج وعمرة من الحلال والحرام ثم ضرب الله لاعداء محمد مثلا فقال (ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار " وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر (عليه السلام) قال كذلك الكافرون لا تصعد اعمالهم إلى السماء وبنو امية لا يذكرون الله في مجلس ولا في مسجد ولا تصعد اعمالهم إلى السماء إلا قليل منهم.
و المتتبع يرى أن في كثير من الآيات الذكر الحكيم قد ورد لفظ الشجرة , فما هو المراد منها , فمثلا مالمراد من الشجرة الطيبة التي عبر عنها القرآن الكريم , " مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء " أو " شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار " و في المقابل أيضا " ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار " أو الشجرة المعلونة في القرآن : " والشجرة الملعونة في القران " وهي بني أمية و قد رأيت قبل قليل قول الباقر عليه السلام عن الشجرة الخبيثة في الرواية السابقة , بأن الشجرة الخبيثة بنو أمية ,و كذلك شجرة الزقوم التي تنبت في أصل الجحيم , وعشرات الآيات التي تحدثت عن الشجر وعن الشجرة في القرآن ، أما لماذا القرآن الكريم اعتنى بان الحقائق عندما اراد ان يبينها بينها من خلال التمثيل بالشجرة {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَايَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ} واذا راجعنا الروايات نجد هناك المئات من الروايات التي شبهت النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين بالشجرة واوراق الشجرة وثمار الشجرة والى غير ذلك , و هنا يجب أن يلتفت إلى هذه الحقيقة القرآنية , بان تفسير الآية شيء ، وبيان مصاديق هذا المفهوم القرآني شيء آخر ، نحن عندما نأتيالى قوله تعالى (يا ايها الذين امنوا .. افعلوا هكذا) الآيات التي عنونت بعنوان (ياايها الذين امنوا) كثيرة ، طيب اذا وجدنا بعض الروايات تقول ان المراد علي بن ابيطالب ، المراد بعض الاولياء ، بعض المؤمنين ، هذا ليس تفسيراً للآية المباركة ،وانما هو بيان مصداق من مصاديق الآية المباركة لان هذا العنوان عنوان عام يشمل علياً (عليه السلام) ويشمل كل مؤمن و لكن يبقى على نحو الحقيقة المصداق الحقيقي الذي ينطبق عليه الآية بالنحو الحقيقة و الصدق عليه هو أمير المؤمنين سلام الله عليه و بالنسبة لباقي الأولياء و المؤمنين إنما تكون بالتبعية , و هذا فرق جوهري يجب أن لا ننساه . فكذلك عند قوله تعالى { إِنَّاأَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} لم ترد في رواياتنا الشريفة بأن المراد وتفسير الكوثر في القرآن يعني فاطمة (سلام الله عليها) وان كان واحداً من اسماء الزهراء البتول هو الكوثر ، الكوثر هو الخير الكثير ومن اوضحوابين مصاديق الخير الكثير هي الزهراء الصديقة الكبرى (سلام الله عليها) ، في المقام ايضاً كذلك ، فهذه قاعدة عامة ، عندما نأتي الى نص قرآني روالى آية قرآنية ، لا يمكن ان نقول ان تفسيرها كذا ونذهب الى الرواية ، الروايات ليس بالضرورة دائماً تبين تفسير الآية ، في كثير من الاحيان الروايات تبين مصاديق الآية . مثلاً على سبيل المثال , نحن عندما نأتي الى سورة النحل الآية(97)قال تعالى { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَمُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} ، هذه الحياة الطيبة . الآن لوعندنا عشرات الروايات بينت من الحياة الطيبة الجنات ، من الحياة الطيبة الانهار ،من الحياة الطيبة الحور العين ، اي كل ملاذ في الجنة ، هذا ليس تفسير للآية المباركة ، وانما هو بيان لمصاديق الحياة الطيبة . نحن لا يمكن لنا اذا ورد قوله تعالى { كُلُواْوَاشْرَبُواْ} وورد في ذيلها مثلاً (كلوا الاكل الكذائي ولا تأكلوا الاكل الكذائية) نقول هذا تفسير للآية ، هذا ليس تفسير للآية ، هذا بيان مصداق من مصاديق الآية ، على اساس هذه القاعدة طبعاً بخلاف بعض الاحيان الآية فيها روايات تفسر ، مثلاً على سبيل المثال حتى يتضح المطلب قال تعالى{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَأَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} ، هنالك روايات قالت بان المراد من اهل البيت علي وفاطمة والحسن والحسين وعلى رأسهم رسول الله صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين ، هذا ايضاً بيان مصداق ؟ كلا الجواب , هذا تفسير الآية ، ليس ان هذه الآية قادرة على ان تنطبق غير هؤلاء الخمسة ، لا ، لاتنطبق إلا على هؤلاء الخمسة ، و كذلك إن لهذه المسئلة نوع ربط بمسئلة الألفاظ و المعاني و ترابطهما ببعض و هذا المبحث سيأتي إن شاء الله في خلال الشرح بحول الله و قوته تعالى , و لكن على سبيل الإشارة و التفصيل في محله يجب أن يُعلم بأن الحقائق التي ذكرت في القرآن الكريم و الروايات الشريفة في قالب كلمات و أحرف , إنما هي تشبيه و إلا فالحقيقة أعلى و أعظم من هذا بكثير , و هذا راجع إلى مبحث نزول القرآن الكريم بالتجلي و ليس بالتجافي , و هو بحث مستفيض كنت قد ذكرت بعض جوانب منه في السنوات الماضية , راجع موضوع {}{}{}( وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ){}{}{}



و لكن لنرجع إلى مبحث الآية الكريمة , حيث إبتعدنا عنه كثيرا ,
إليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه
الإعتقادات الصحيحة الحقة هي الكلم الطيب لأن الكلمة في القرآن لا تدل على اللفظ ، بل على ما ورائها من معنى ، كما قال ربنا سبحانه : " و مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء "
فهذه العقائد تصعد إليه , إليه يصعد الكلم الطيب , و لكن هذه تحتاج لمن يرفعه إلى الله , لأن بنفسها لا تستطيع , و الذي يرفعه هو العمل الصالح , و هذا الضمير يرفعه يعود إلى الكلم الطيب , فمن هنا تجد لطافة التعبير القرآني حينما يخاطب بقوله تعالى : الذين امنوا وعملوا الصالحات , و إذا كانت كلمة خبيثة فهي لا تصعد خصوصا إذا ترتبت عليها عمل خبيث , فقوله تعالى : " وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ " يكون الفاعل لقوله " يَرْفَعُهُ " ضمير مستتر تقديره العمل الصالح، والهاء ضمير المفعول به يرجع إلى الكلم الطيب فيكون حاصل المعنى من " يَرْفَعُهُ " هو (يرفع العملُ الصالحُ الكلمَ الطيبَ) أي أن العمل الصالح يُساهم في رسوخ الإيمان وهو ما يُوجب زيادة القرب لله تعالى.
فليس معنى الآية أن الكلم الطيب يصعد والعمل الصالح يُرفع فإن ذلك يكون صحيحاً لو كان ضمير الفاعل في يرفع راجع لله تعالى، والأمر ليس كذلك بل أن ضمير الفاعل يرجع للعمل الصالح فيكون حاصل المراد من الآية هو أن الكلم الطيب يصعد والعمل الصالح يساهم في درجة صعوده .


فعلى هذا ففي يوم القيامة يتحد الإنسان مع عمله و إعتقاده , فعندما يظهر باطن العمل يظهر باطن وجود الإنسان , " ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا " و هو كتاب النفس , " اقرا كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا " , لأن كل نفس عليها بصيرة , " بل الانسان على نفسه بصيرة " فيوم القيامة يظهر للإنسان باطن وجوده , فيريه الله عز و جل , باطن نفسه , و قد كنا تحدثنا عن الكيفية التي يرتبط بها العمل بعامله الذي لا ينفك عنه و التي تمرّ بمراحل ثلاث هي : الحال ثم الملكة ثم الإتحاد أو التحقق , و كذلك كنا قد تكلمنا عن قاعدة إتحاد العاقل و المعقول , و محصلة هذه الأمور التي ذكرناها , هي أن الجزآء باطن العمل , و كذلك ما يمكن بواسطة هذه التوضيحات تقريبا لمعنى بعض الروايات الشريفة حينما تقول أن الإمام عليه السلام هو الصلاة و هو الحج ووو لإتحاد حقيقة هذه الأعمال مع حقيقتهم القدسية الشريفة :
ويؤيد هذا ما رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي باسناده إلى الفضل بن شاذان، عن داود بن كثير، قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: أنتم الصلاة في كتاب الله عزوجل وأنتم الزكاة، [ وأنتم الصيام ] ، وأنتم الحج ؟ فقال: يا داود نحن الصلاة في كتاب الله عزوجل، ونحن الزكاة، ونحن الصيام، ونحن الحج، (ونحن الشهر الحرام) ، ونحن البلد الحرام، ونحن كعبة الله ونحن قبلة الله، ونحن وجه الله، قال الله تعالى: ( فأينما تولوا فثم وجه الله) ونحن الآيات، ونحن البينات. وعدونا في كتاب الله عزوجل: الفحشاء والمنكر والبغي والخمر والميسر والانصاب والازلام والاصنام والاوثان والجبت والطاغوت والميتة والدم ولحم الخنزير. يا داود إن الله خلقنا فأكرم خلقنا وفضلنا وجعلنا امناءه وحفظته وخزانه على ما في السموات و (ما في) الارض، وجعل لنا أضدادا وأعداء، فسمانا في كتابه، وكنى عن أسمائنا بأحسن الاسماء وأحبها إليه تكنية عن العدو ، وسمى أضدادنا وأعداءنا في كتابه، وكنى عن أسمائهم، وضرب لهم الامثال [ في كتابه ] في أبغض الاسماء إليه، وإلى عباده المتقين . ويؤيد هذا ما رواه أيضا عن الفضل بن شاذان باسناده عن أبي عبد الله عليه السلام : نحن أصل كل خير، ومن فروعنا كل بر، ومن البر التوحيد والصلاة والصيام وكظم الغيظ، والعفو عن المسئ، ورحمة الفقير، وتعاهد الجار، والاقرار بالفضل لاهله. وعدونا أصل كل شر، ومن فروعهم كل قبيح وفاحشة. ومنهم الكذب والنميمة، والبخل والقطيعة، وأكل الربا وأكل مال اليتيم بغير حقه، وتعدي الحدود التي أمر الله عزوجل [ بها ] ، وركوب الفواحش ما ظهر منها وما بطن: من الزنا والسرقة وكل ما وافق ذلك من القبيح . وكذب من قال أنه معنا، وهو متعلق بفرع غيرنا . ومن ذلك ما ذكره الشيخ أبو جعفر محمد بن بابويه (رحمة الله عليه في كتاب الاعتقادات) وذكر شيئا من تأويل القرآن فقال: قال الصادق عليه السلام: وما من آية في القرآن أولها (يا أيها الذين آمنوا) إلا وعلي بن أبي طالب أميرها وقائدها وشريفها وأولها. وما من آية تسوق إلى الجنة إلا [ وهي ] في النبي والائمة عليهم السلام وأشياعهم وأتباعهم.


أن العقل والنقل أقصى غايتهما "علم اليقين"، بينما الكشف والشهود والمعاينة غايتهمأعلى من ذلك "عين اليقين"، ثم "حق اليقين"، أنت تسمع خبرا بأن الإمام الحسين عليه أفضل الصلاة و السلام سيد شباب أهل الجنة، مجرد خبر، او رواية أو حديث، لكنك عند هذه الطائفة لابد أن ترى الجنة، وترى فعلا من هو سيدها، حتى يتسنى لك أيضا مشاهدة ورؤية سيدي كهول أهلالجنة، بدلا من أن تعتمد على نفي ذلك بمجرد روايات، فـ "عين اليقين" أن ترى الجنةومن فيها، حيث ترى ألا كهول هناك، كي يكون لهم سادة، وتتشرف برؤية الأئمة الآثنىعشر عليهم أفضل الصلاة و السلام بدلا من كونك من المحرومين الذين تشرفوا فقط بلقاء خاتمهم سلام الله و صلواته عليه و عجل الله فرجه الشريف .
و بودي الإشارة إلى أمر مهم و في غاية اللطافة , ورد في كتاب المقامات العلية للشيخ عباس القمي (قدس سره) ان من علامات صاحب اليقين ان يكون مستجاب الدعوة وصاحب كرامات فقال في مورد حديثه انه بقدر مايزداد يقين الانسان يغلب الجانب التجردي فيه ولهذا السبب تحصل لديه قوة التصرف في جميع الكائنات التي هي من شأن المجردات , و على هذا علينا أن نعلم بأن عالم الناسوت لا يتحقق فيه الفعل من أحد إلا بالعلاج والاستعانة بالجوارح ونحوها. فيتقيد العمل بالنظام الكوني. وأما العالم الخالي من الناسوت الذي لا يحتاج الفاعل فيه إلى المادة والماديات، فيصدر منه الفعل ولا يتقيد بالنظام الكوني. وهوالذي يعبر عنه بالكرامة والمعجزة في بعض الأحيان , و ظهور هذه الفعلية للإنسان بعدما كان منفعلا , و خروجه من القوة إلى الفعل , هو من خلال التصفية و التزكية , و كذلك من جهة أخرى فإن الله عزوجل قد أعطى للإنسان القوى و هذه القوى كامنة في الإنسان , و إليه الإشارة في قول الأمير صلوات الله و سلامه عليه , أتزعم أنك جرم صغير و فيك إنطوى العالم الأكبر , و هذه ليست فقط علوم متعلقة بعلوم معارفية و حسب , بل علوم الأسرار من تسخير الكون و سائر الأمور في طول إرادة الله عز و جل , فإن النفس البشرية مثل المنشور زجاجي , و إن كان هذا تشبيه و إلا فإنه لا يمكن تصور حقيقة النفس لأنها مجردة عن الجسمية , قلنا فإن النفس البشرية مثل المنشور الزجاجي أحاطت بأطرافه بلورات وضع أمام النور يرى الناظر إليه الوانا مختلفة بحسب اللون النافذ من كل هذ البلورات " أصفر , أحمر , أخضر " و من يمعن النظر يرى أن تحليل اللون هذا لا يؤثر على ماهية النور و كونه منشأ لكل الألوان , كذلك النفس فإنها تعرض وجودها دائما على طريق واحد و هو القوى و تعدد القوى لا يخرج النفس عن وحدتها و عن كونها مركز القوى و مركز كل الفعاليات النفسية و منبعها الفياض , و الفرق الذي هو بين الأولياء و سائر الخلق , هو أنهم أي أولياء الله عز و جل إستطاعوا تفجير هذه الطاقات الكامنة فيهم , فإن الله عز و جل أعطى لكل مخلوق إنساني رأس مال في حياته , عبر عنها بالطاقة , عبر عنها بالعمر , عبر عنها ما شئت , و بنفاد هذه الطاقة تنتهي نصيبه في عالم الدنيا التي بهذه الطاقة يعمل في هذه الدنيا و يزرع آخرته , فمادام عندك طاقة فعندك قدرة للعمل, و لكنك محدود بأطواق هذه الدنيا , و في بعض الأحيان قد يعجل الإنسان بخروجه من عالم الدنيا قبل نفاد هذه الطاقة , فتتفجر عنده هذه الطاقات الكامنة , لأنه خرج من طوق عالم الناسوت , و هذا الخروج من عالم الدنيا و معك بقية من هذه القوة الكامنة تعطيك دافع قوي جدا في السير التكاملية , و تطوي أشواطا بعيدة و سريعة , و هذا الخروج من الدنيا بهذه الكيفية ممكن من خلال طريق شرعي و هو الشهادة في سبيل الله عز و جل , فلذا كان الشهيد أسرع و ارقى في الكمال من غيره لأنه يطوي مسيرة ألف سنة بلحظة , أو إذا إنتحر أو قتل على غير طاعة الله فإن سيره يكون تسافليا , بغير ما إذا كان حالة قبضه في طاعة الله و سائرا إليه بتوجه منه .
فإن الله عز و جل قد خلق الإنسان في أحسن تقويم , و أودع فيه كل أسرار الكون و جعل الكمال فيه و جعله المهيمن على سائر الخلق , فإن علم بهذه الأسرار سخر و سيطر باقي الكائنات له , و هذا نوع من الولاية التكوينية التي بالإمكان الحصول عليها لغير المعصومين عليهم السلام من أوليائهم الخلص , و لعل أقول لعل فيها الإشارة إلى , " و علم آدم الأسماء كلها " , و لكن هذه القوى , الله عز و جل لم يجعلها في الخارج , بل طواها و جعلها في طوية الإنسان و غلفها بحجب , أو بتعبير آخر , ما من صفة إلهية إلا و قد جعل الله عز و جل نسخة منها في الإنسان , لكون أن غاية التي خلق لأجلها الإنسان أن يكون خليفة الله عز و جل , و لعل هذا حديث من عرف نفسه فقد عرف ربه أو لعل الرب بمعنى المربي و الراعي الذي ربت هذه النفوس فهذا يرجع إلى تسلسل المخلوقات التي تشير الى النفس المطلقة الكلية التي هي نفس رسول الله صلى الله عليه و آله الأطهار التي منها خلقت النفوس , لعل تكون الإشارة إلى هذه الآية الكريمة "وهو الذي انشاكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الايات لقوم يفقهون " النفس الكلية هي النفس المحيطة المهيمنة على ما تحتها وإثبات وجودها كما يظهر ممنيقول بها نفس الطريق الذي يثبت به تسلسل صدور الممكنات عن واجب الوجود , فالعرفاء يفترضون أن العالم وجود واحد حقيقة، وله عقل يسمى بالعقل الأول، وله نفس هي لكلعالم الإمكان تسمى النفس الكلية، كما أن للإنسان عقل ونفس جزئية.
وقد ذكرت عدةتعاريف لهذا المصطلح:
منها: إنّ النّفس الكلّيّة إنّما هي قوّة روحانيّة فاضتمن العقل بإذن الباري جلّ ثناؤه، أي فاض من العقل الفعّال فيض آخر دونه في الرّتبةيسمّى العقل المنفعل، و هي النّفس الكلّيّة.
ومنها: جوهرة روحانيّة بسيطة قابلة للصّور و الفضائل من العقل الفعّال على التّرتيب و النّظام . و من هذه النفس المطلقة الكلية تفرعت باقي النفوس و حتى نفوس الملائكة , فمن عرف نفسه عرف آل محمد صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين , و في هذا تفصيل نتركه لقلة البضاعة .
لنرجع لموضوعنا , فبعد أن أودع و أبطن الله عز و جل هذا الكمال و هذه القوى في الإنسان , أنزله إلى عالم الدنيا , عالم الملك , " ثم رددناه أسفل سافلين " , فهذه القوى كامنة فيه و قد أنزله الله الى عالم الملك , و أراد من الإنسان أن يهذب نفسه ليرفع عن نفسه و من خلال عمله و إختياره و إرادته هو , هذه الحجب ليطلق هذه الطاقات المودعة فيه إلى الخارج و يصعد في قوس الصعود ليكون حينها خليفة الله بحق , و إليه الإشارة إلى الحديث , الذي أوردته قبل قليل , العلم مجبول فيكم تخلقوا بأخلاق الروحانيين يظهر لكم , بتعبير آخر متسلح بجنود الرحمن أو العقل , عبر عنها بالقوى العقلية مثل ما تعبر عنها رواية الشريفة المروية عن صادق عترة الطاهرة سلام الله عليه و عليها , بجنود العقل و الجهل , فإن الرواية الشريفة قد بينت أن الأمر الإلهي قد صدر إلى العقل بالإدبار و الإقبال فاستجاب , و ذلك قوله عليه السلام : " فقال له أدبر فأدبر ثم قال له أقبل فأقبل " أي إنزل من عندي إلى عالم الملك و المادة , عالم الناسوت , و هو قوله تعالى , والله العالم , "ثم رددناه اسفل سافلين " أي أرجعناه إلى عالم الطبيعة و المادة , و حين يخرج من بطن أمه فإنه لا يعلم شيئا , " والله اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون " ثم بعد ذلك يأمره سبحانه و تعالى بالإقبال و الصعود و الإرتقاء إليه مرة ثانية من خلال تحصيل العلم و العمل الصالح " اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " أما الجهل فقد إستجاب للإدبار و النزول إلى عالم الملك و المادة و الطبيعة و لكنه – و لإستكباره - رفض الإقبال و الصعود و الإرتقاء مرة ثانية , فلعنه الله تبارك و تعالى .
فالنزول و إن كان بدون إختيار , إلا أن الصعود بإختيار الإنسان و بإستخدام عقله , و عليه يُثاب و بجهله في أسفل السافلين يستحق العذاب . و في سبيل الإستيناس لا الإستدلال أو الإستشهاد , نذكر هذه الآية الكريمة " فازلهما الشيطان عنها فاخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع الى حين " ,


فلا شك إذا بأن نفس الإنسان مع أنها خارجة عن قيد الجسمية و المادية لكنها معبّأة بمختلف القوى التي أودعت فيها كحبّة صغيرة بذرت في الأرض فيتحرر ما إستتر فيها من القوى و الإستعدادات حالما يتوفر المحيط المناسب و عوامل التغذية لها , فتصبح بعد مدة شجرة قوية كثيفة الأغصان نضرة الأوراق معطآءة للفاكهة , و كذلك نفس الإنسان فهي ذات إستعدادات مختلفة تظهر بالتدريج في الموقع المناسب و بتأثير التعليم و التربية , و إشراق شمس الولاية عليها , و لكنها في الحالات العادية , لا تتجاوز حدود و زمان و مكان الجسم البشري , لأنها بمنزلة مقدمات و آلات ظهور الطاقات و الأفعال , فالرسام الماهر الذي يرسم بريشته في كل يوم رسما جديدا , لا شك أن فنه هذا محدود بنوع أدوات الرسم و جودتها , و هكذا نفس الإنسان , و الإعتقادات المتحدة بها ; فإنها تظهر لها في كل لحظة آثار جديدة عن طريق البدن و الدماغ لكنها لا تخرج عن إطار الزمان و المكان و هما محصورين كذلك .
و يجب أن نلتفت إلى أن هذه المحدودية الزمانية و المكانية التي ذكرت لنفس الإنسان , منحصرة بالأفراد العاديين , أما ما يخص النفوس النقية المتألقة المتحررة من القيود فلا وجود لهذه المحدوديات فيها أبدا , حيث تمتنع مقارنتها مع غيرها , فعلى هذا الأساس حينما تتحرر نفس الإنسان من قيد المكان فقط مثل ذلك التحرر الذي يحصل للعموم بعد الموت أو التحرر الذي يحصل لبعض المرتاضين أو لبعض الأفراد في عالم النوم أن في هذه الحالة يتساوى عند النفس الإرتفاع و الإنخفاض و البعد و القرب و ترتفع عنها الحجب و في النتيجة ترى الكثير من غير المرئيات و تسمع غير المسموعات و تدرك الغامضات , فإذا تحررت من قيد الزمان كذلك حصلت على صفاء و طهارة أكثر على الحقائق الناصعة في فهرس وقائع الكون و يمكنها أن تصل بذلك السمو و النورانية إلى حد النفوذ في داخل النفوس الآخرين , و تطلع على خلجاتها و تصوراتها حتى إذا حلقت إلى درجات أعلى من الصفاء أصبح حيز وجودها كنزا للأسرار و مرآة للعالم .
و أخيرا : فالعثور على طريق كشف أسرار الخلقة يرتبط إرتباطا متناسبا مع درجة صفاء الضمير , و بطبيعة الحال سوف يظهر هذا التحرر و الصفاء لكثير من الأفراد العاديين يوم البعث و النشور العام للعالم , و لا يستثنى هذا هنا إلا لعدة قليلة فقط , تكاد تعد بالأصابع , و أولئك هم الأطهار ذاتا و فطرة , و الحديث عن الطهار سيأتي إن شاء الله كما طلبتم إن وفقنا الله لذلك , و يرتبط مقدار نورانية العموم بهمتهم و سعيهم و مقدار إتباعهم لأهل بيت العصمة و الطهار صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين .


و هذا الأمر داخل أيضا في الهداية التكوينية للأئمة المعصومين عليهم السلام لحقائق الموجودات لموجودات , قال الله تعالى شأنه و تقدس ,وَ جَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمّا صَبَرُوا وَ كَانُوا بِئَايَتِنَا يُوقِنُونَ , حيث يُلاحظ هنا انّ الله تعالى جعل مع كلمة الأئمةصفة تلازمها، ألا و هي الهداية بأمر الله، كما انّ هذه النكتة مشهودة في ءاية اخرى في قصّة سيّدنا ابراهيم على نبينا و آله و عليه أفضل الصلاة و السلام :


وَوَهَبْنَا لَهُ إِسحَقَ وَ يَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّا جَعَلْنَا صَلِحِينَ وَ جَعَلْنَهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إلَيهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَ تِ وَ إقَامَ الصّلَوَ ةِ وَ إيتَآءَ الزّكَوَةِ وَ كَانُوا لَنَا عَبِدِينَ


ويُلاحظ هنا انّه قد ذكر صفة ملازمة لكلمة الأئمّة ، أو بعبارة اخرى انّ جملة(يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا)جملة تفسيريّة لمعنى الأئمّة .


لذا يجب ان يكون للإمامة عنوان الهداية أولاً ، و ان هذه الهداية هي بأمر الله ثانياً ؛ اي انّ الامام هو الذي يهدي الناس بأمر الله . والمراد بأمر الله هو الذي ذكر حقيقته في هذه الأية :
إِنّمَآ أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيئًا أَنيَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * فَسُبْحَنَ الّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَىْ‏ءٍ وَ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ.


و في الأية : وَ مَا أَمْرُنَا إلّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ.


حيث يُستفاد من هذه الأيات أنّ أمر الله واحد لا تعدّدله ، اضافةً الى انّه ليس له زمان أو مكان ، و ثانياً انّ أمره هو إرادته ، فبمجرّد إرادته فانّ الموجود سيرتدي لباس الوجود ، و ذلك نفسه هو ملكوت كلّ موجود . وحين يريد الله إيجاد موجود بأمره ، أي ملكوت ذلك الموجود ، فانّهيوجده . [ أي حقيقته ]


و من الجلّي انّ الأمر هو نفس الجانب الثبوتي مقابل الخلق الذي يمثّل جانبالتغيّر و الزوال و الفساد .


قال تعالى : أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَهُ رَبّ الَعلَمِينَ.



و بناءً على هذا فانّ الموجودات لها وجهتان : وجهة خلقيّة، و هي التي يُشاهد فيها التغيّر والفساد والتدريج و الحركة، ووجهة الأمرالتي سيكون فيها الثبات و عدم التغيّر ،


و تلك الوجهة الأمريّة تسمّى بالملكوت ،و هي حقيقة و واقعيّةالموجودات،و التي تقوم به االوجهة الخلقية . و مع التغيرات و التبدّلات المشهودة في هذه الوجهة فانّتلك الوجهة [ الأمرية ] لا تتغيّر ولاتتبدّل .


هداية [ " التكوينية " ] الموجودات على يد الإمام :


و على هذا فانّ الأئمة الذين يهدون بأمرالله لهم تعامل مع ملكوت الموجودات [ أي مع حقائقها ] ، فهم يهدون كلّ موجود الى الله و يوصلونه من وجهته الأمرية ـ و ليس فقط من وجهته الخلقية ـ الى كمال الله تعالى . [ أي أن هذه الهداية ليست فقط الهداية بمعناها العرفي , بل هذه الهداية تشمل الهداية التكوينية التي هي حقيقة و ملكوت هذه الموجوات بأمر الله عز و جل ]


انّ قلب الموجودات بيدالإمام [ و هو قلب العالم ] ، فهو يهديهم الى الله تعالى من جهة السيطرة و الإحاطة بقلوبهم؛ فالإمام ـ إذاً ـ هو الذي يهدي الناسالى الله ، يهديهم بالأمر الملكوتي الموجود و الملازم له دائماً ، و هذه في الحقيقة هي الولاية بحسب الباطن في أرواح و قلوب الموجودات ، نظير ولاية كلّ فرد من أفراد البشر عن طريق باطنه و قلبه بالنسبة الى أعماله ، و هذا هومعنى الإمام .


أمّافي الأية الشريفة فانّ الله تعالى يبيّن علّة منح هذا المنصب بهذه الكيفيّة :


لَمّا صَبَرُوا وَ كَانُو ابِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ.


أحدها الصبر في طريق الله ، و المقصود بالصبرالإستقامة و الثبات في جميع الامتحانات والابتلاءآت التي تعرض للعبد في طريق العبوديّة والوصول الى المراد ، و الأخر أن يكونوا قد وصلوا الى مرحلة اليقين قبل ذلك .


و نرى في ءاياتٍ من القرءان المجيد انّها تَعُدّ علامةَ اليقين كشفَ الحجب الملكوتيّة ، فصاحب اليقين هو الذي يدرك حقائق الموجودات وملكوتها، والمحجوب هو الذي يغطي قلبه ستار يمنعه من مشاهدة الأنوار الملكوتيّة،


مثل قوله تعالى :
وَ كَذَ لِكَ نُرِى إبْرَ هِيمَ مَلَكُوتَ السّمَوَ تِ وَالأَرْضِوَ لِيَكُونَمِنَ الْمُوقِنِينَ.


و هذه الأية تشير الى انّ إرادة [ الأصح " إراءة " ] ملكوت السموات و الأرضكان مقدّمة لإفاضة اليقين على قلب ابراهيم ، و من هنا فانّاليقين لن ينفصل عن مشاهدة الانوار الملكوتيّة .
و كقوله تعالى : كَلّا لَوْتَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَروُنّ الْجَحِيمَ.


لو كنتم تعلمون كعلم أصحاب اليقين ، لرأيتم الجحيم و لشاهدتم حقيقة جهنّم أي ملكوت الأفعال القبيحة و معصية الله و النفس الأمّارة .


و كقوله تعالى : كَلّا إنّ كِتَبَ الْأَبْرَارِ لَفِى عِلِيّينَ وَمَا أَدْرَبكَ مَا عِلِيّونَ كِتَبٌ مَرقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرّبُون
و يُستفاد من الأيات المتقدّمة انّ المقرّبين ـ أي أصحاب اليقين ـ هم الذين ارتبطوا بالملكوت و بحقائق العالم، و اجتازت قلوبهم جانب المشاهدة الخلقيّة ، فلم يعودوا محجوبين عن الله، لا يحجبهم عنه الحجاب القلبيّ من المعصية و الجهل و الشكّ و النفاق ، و اولئكم همأصحاب اليقين الذين يرون العليّين و الحقائق الملكوتيّة للأبرار و الأخيار ، كما أنهم يشاهدون الحقيقة الملكوتيّة للأشرار و أهل المعاصي التي هي (الجحيم) . [ فمنهنا تجد ربط العصمة باليقين , وكما أن لليقين درجات , علم اليقين ، عين اليقين ، حقاليقين , فإن العصمة أو بالأحرى مقام العصمة ذو درجات و مراتب , و البحث في هذايحتاج وقت و تفصيل آخر[



و بناءً على هذا فانّ الإمام و هو الهادي الى أمر ملكوتي ، يجب أن يكون قد وصل حتماً الى أعلى مقامات اليقين وانكشف له عالم الملكوت ، و صار متحقّقاً بكلمات الله ؛ و كما ذكر فانّ الملكوت هو الوجهة الباطنيّة للموجودات ،
لذا فانّ هذه الأية الشريفة وَ جَعَلْنَهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا


تشير بوضوح الى انّ كلّ ما يتعلّق بأمر الهداية ،أي القلوب و الأعمال ، فانّ باطنها و حقيقتها بيد الإمام ، ووجهتها الملكوتيّة و الأمريّة حاضرة بمشهد من الإمام لا تخفى عنه لحظةً واحدة . و مبحث الهداية التكوينية يجرنا إلى مبحث قيومية ولي الله الأعظم عليه أفضل الصلاة و السلام .
قيومية ولي الله الأعظم

مقام القيومية هي مقام الرعاية و الإدارة لكل شؤونات هذا الوجود و تسييرها , فالأمير صلوات الله و سلامه عليه بحقيقته النورانية و بولايته الكلية على كل ذرة من ذرات الكون من الأنبيآء و شموخ الملائكة إلى أصغر جزيئ في عالم الوجود , قيم على هذا الوجود بأسره , تماما مثل القيم على اليتيم , حيث أن اليتيم لا يستطيع أن يتصرف لضعفه في أمور حياته و معيشته فيحتاج إلى قيم يرعاه و يتولا أمره , فإن هذا العالم تحتاج إلى إدارة من تسيير حياتها و معيشتها و شؤوناتها و تبيين وظائفها , كما قال الله عز و جل : " فالمدبرات امرا " , أو , " يدبر الامر من السماء الى الارض ثم يعرج اليه في يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون " , و هذا يدخلنا أيضا إلى مبحث ليلة القدر المباركة و حضور و تنزل الملائكة على ولي الله الأعظم عجل الله فرجه الشريف و إمضاء التقديرات اللهية من الآجال و الأرزاق و حتى سقوط الورقة مثل ما قال الله عز و جل : " وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين " , فبهذا التوضيح قلنا أن هذا العالم قائم على نظام دقيق و تحتاج إلى تدبير و رعاية للحفاظ عليها و تسييرها نحو الكمال , فمثلا حركة الأفلاك بهذه الصورة , الخلايا كيف يتكون من خلية صغيرة و نطفة قذرة و تتكامل إلى أن يصبح إنسانا بالغا وكذلك جميع الموجودات فكل واحدة منها لها وظائف التي في إتباعها كمالها , فإن كل موجود في هذا العالم قد بُينت له وظائفه , فمثلا لو زرعت بذرة طماطم فلن تخرج منه تفاح , فإن البذرة لا تستطيع بنفسها أن تفكر كيف تخرج إلى مرحلة تكون فيه طماطم و لكن قد سُن لها سنة تكوينية و لأن قد بُينت لهذه البذرة وظيفتها بأن ماذا تأخذ من الأرض من المواد و كيف تخرج , و ما هي خصوصياتها و رآئحتها و لونها و غير ذلك من الأمور حتى تصبح في النهاية طماطم , الذي هو كمالها , و فوق ذلك الكمال أن يتناولها المؤمن يتقوى بها على طاعة الله , فالنرجع لموضوعنا , فإن هذه الأمور لا يُمكن أن تسير بنفسها لولا وجود القيم الذي يديرها , و يوضح لها , و ليس المقصود من التوضيح لها توضيحا لفظيا كما يفعل المعلم مع التلميذ أو ما شابه , بل المراد من التوضيح هو سنّ السنن الكونية لها و إلقائها إليها , هذا بيد ذلك المخلوق القيم , و لولا وجود هذا القيم فإن هذا الوجود تسيخ بأهلها , و لهذا عبرت الروايات بأن لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها , أو أن الإمام قطب عالم الإمكان , أو أن الإمام قلب العالم , و تعبيرات مشابهة كثيرة , فإن أمير المؤمنين عليه السلام بخلافته و ولايته , فإن هذا الخلافة و الولاية له قيومية على كل ذرة من ذرات هذا الكون , يعني كل ذرة من ذرات هذا الكون تسييرها و هدايتها و إرشادها إلى وظائفها بوجود هذا القيم , سواء هذا الإرشاد يكون من خلال الغرائز أو كانت من خلال الجينات الوراثية , أو عبر ما شئت من الوسائل , فكلها إشارة إلى الولاية التكوينية على كل شيئ , و ليس فقط المقصود من التصرف بالولاية التكوينية , أن فقط تغير ماهية الحديد إلى الخشب مثلا , بل نفس إبقآء هذا الخشب خشبا , أو المآء سائلا , أن يبقى بهذه الشكل و هذه الصورة و أن لا يتغير , و يحافظ على خصائصه , نفس هذا الأمر يحتاج إلى هداية و الولاية و الرعاية , و المتحرك مثلا أن يتحرك حسب نظام سواء أفلاك أو طيور أو حشرات , هذه أنظمة و هذا النظام يحتاج إلى سنة و هذه السنن هي التي تهدي الموجودات , فمن الذي يهديها و يضع لها السنن , إنه خليفة الله , و هذا معنى الخلافة القيومية , فإن القيوم إسم من أسماء الله عز و جل , و الحي القيوم , من أمهات أسمآء الله عز و جل , قال الله تعالى , " افمن هو قائم على كل نفس بما كسبت " , فولي الله الأعظم و خليفته هو القائم على كل نفس بما كسبت , و قد يعبر عنها بالمعية القيومية أيضا بتفصيل آخر , و هذه الخلافة القيومية هي معنى الولاية التكوينية , و كما أوضحت فليس تنحصر معنى الولاية التكوينية في التصرف في شيئ بل أيضا الحفاظ على الشيئ , فإن هناك مرحلتان ,الأولى : مرحلة الإيجاد من العدم , يعني لا شيئ صار شيئا , و هذا ما يعبر عنها بالولاية الكونية و ليس التكوينية , هذا الشيئ يحدث بلحظة , و لكن إبقائها على نفس الحالة أو تغيير حالتها من حالة إلى حالة أخرى , أو بتعبير آخر تغيير ماهيتها , فهي راجعة و خاضعة إلى الولاية التكوينية , فهذه المرحلة الثانية .
أما المرحلة الأولى , إخراجها من العدم أو الظلمة إلى النور , فهي راجعة إلى الولاية الكونية , أو عبر عنها بالولاية الإيجادية , التي هي أرقى بكثير من الولاية التكوينية ,أما لماذا سميت بالولاية الكونية , ذلك لأن الله عز و جل عبر عنها في القرآن الكريم , " انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون " أي إيجاد الشيئ , أن يكون شيئ , إخراجه من الظلمة إلى النور , من العدم إلى الوجود , هذا بالولاية الكونية التي هي أيضا من مقامات آل الله , محمد و آل محمد الأطيبين الأطهرين صلوات الله عليهم أجمعين , أي يوجدون شيئ من العدم أو يعدمون شيئا من الوجود , بإذن الله و هي من مختصاتهم بأبي هم و أمي لا يشاركهم فيه أحد من العالمين , و يمكن تقريب ذلك بإفاضة الفيض الوجود و قطعه عن الموجود , أما الولاية التكوينية فهي دونها , و هي التصرف في الشيئ أو بتعبير آخر , تغيير ماهية الشيئ , و تغييره من حالة إلى حالة أخرى , مثل , كان ميت صار حي , كان طين صار طير , كان أبرص و مريض صار صحيح الجسم , فهي تغيير من حالة إلى حالة , و ليس إيجادا من العدم .


و هناك الكثير من النصوص الروائية التي تدل على هذه الحقيقة , أذكر هنا على سبيل المثال فقط , مقطع من الزيارة الجوادية الشريفة :
لم يتحرك شيء ولم يسكن في جميع الأحوال إلا باقتضاء الولاية وهو قولهم: “بنا تحركت المتحركات وسكنت السواكن
فرسول الله الأعظم محمد صلى الله عليه و آله الأطهار و آله الأطهار هم أدبآء الله عز و جل , أدبني ربي فأحسن تأديبي , و قال صلى الله عليه و آله الأطهار , أنا أديب الله و علي أديبي , فهم صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين أكمل خلق الله فهم يشرعون للخلق كلهم من الإنس و الجن و الملائكة و الحيوانات ووو لأنهم خليفة الله في أرضه و فيهم جميع صفات الكمال اللهي و كما في زيارة بقية الله الأعظم صلوات الله و سلامه عليه و عجل الله فرجه الشريف : " السلام عليك يا عين الله في أرضه " العين من العينية , يعني هذا عين ذاك و لها معاني أخرى أيضا , و يستفاد من هذا المجمل أيضا إثبات الولاية التشريعية للإنسان الكامل , و لا بأس بالإشارة إلى تعليق سيد الإمام الخميني قدس سره الشريف في ذيل قوله في أوائل شرح دعآء السحر المبارك , " الباطن فيهم النبوة " عن أستاذه الشاه آبادي رضوان الله عليه :
ان لسالك بقدم المعرفة الى الله ، اذاتم سفره الثالث و سرى بهوية الجمعية فى جميع مراتب الموجودات ، يرى بعين البصيرة جميع مصالح العباد، من امور المبداء و المعاد،و ما يقربهم اليه تعالى ؛ و (إن ) الطريق اليه لكل احد بخصوصه ، و لو التشريع فى هذا المقام . و كان هذا المقام حاصلا لمولانا قطب الموحدين و امير المؤ منين والائمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين من بعده ؛ ولكن رسول الله - صلى الله عليه و آله - لما تقدم عليهم زمانا و كان صاحب المقام ، اظهر الشريعة ، فلم يبق مجال لتشريع لاحد، لتمامية شريعته . فلا بد للاولياء من بعده من متابعته . و لو فرضنا تقدم اميرالمؤ منين - عليه السلام -عليه - صلى الله عليه و آله - زمانا لاظهر الشريعة و تكفل امر الرسالة و النبوة ؛ فللرسول - صلى الله عليه و آله - متابعته اذا جاء بعده . و لكن الحكمة البالغة تعلقت بأن اظهر الشريعة بيد رسول الله - صلى الله عليه و آله .


و أعتذر عن الإطالة
و أسألكم و بحق الزهرآء سلام الله عليها أن لا تنسوني في هذه الليلة بالخصوص و هي ليلة القدر و ليلة إستشهاد أمير المؤمنين علي بن أبيطالب صلوات الله و سلامه عليه من خالص دعواتكم لي بالتوفيق في نيل رضى إمامي الحجة عجل الله فرجه الشريف و جعلنا الله إياكم من خلص خدامه و أنصاره المستشهدين بين يديه ,
و كذلك التوفيق في حياتي و دراستي , بحق محمد و آل محمد الأطيبين الأطهرين صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين .
خادمكم
لواء الحسين
يا علي
10-09-2009
الموافق ليلة الجمعة و ليلة القدر 21 من شهر رمضان سنة 1430

---------------------------------