زيارة عاشورآء القدسية


الأربعاء، 15 يونيو 2011

سر السلام في الزيارات المقدسة - الجزء 01

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد الأطيبين الأطهرين
و اللعنة الدآئمة الوبيلة على أعدآئهم و ظالميهم أجمعين

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


الزيارة هي الحضور و العدول عن الغير , و مُستلزم تحقيق هذا الحضور هي الهجرة إلى المعصوم عليه السلام للقاءه , و الهجرة تقرُّب , و هذه الهجرة هي حركة نحو المعصوم عليه السلام , و لكل سفر و هجرة طعام و زاد المسير و في مثل هذه الهجرة تكون مُتسلزم الأولي الأصلي لهذا الزاد هي المعرفة , ففي وصية أمير المؤمنين علي بن أبيطالب صلوات الله و سلامه عليهما لكميل قال :« يا كميل ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة » , و هذه الحركة هي الهجرة , و يعاضد هذا ما كنا قد أوردناه عن إمامنا و سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبيطالب صلوات الله و سلامه عليهما , لاَ يَقَعُ اسْمُ الْهِجْرَةِ عَلَى أَحَد إلاَّ بِمَعْرِفَةِ الْحُجَّةِ في الاْرْضِ، فَمَنْ عَرَفَهَا وَأَقَرَّ بِهَا فَهُوَ مُهَاجِر, الهجرة إلى الوطن الحقيقي , و هذه الحركة مضافا إلى إحتياجها إلى الزاد في هذا المسير , فإنها و قبل كل شيئ تحتاج إلى دافع للمُضي في هذه الهجرة , و هذا الدافع ليس إلا الحُب بمعناه الأسمى , حب الوطن من الإيمان , هذا الوطن في معناه الحقيقي ليس معناه الدنيوي , فكيف يأمر من طلق الدنيا ثلاثا بحب هذه الأوطان الدنيوية , الوطن الأصلي الذي إنحدرنا منه جميعا , و مصدر وجودنا , الصادر الأول , هو ذا الوطن الأصلي , و إليه المَعاد , إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ , الهجرة إلى الوطن الحقيقي , هجرة إلى محمد و آل محمد صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين , الهجرة إلى لقاء وجه الله التام الكامل , الهجرة إلى الصادر الأول , الهجرة تحتاج إلى دافع , هذا الدافع هو الحب , حب الوطن من الإيمان , فالحُب هو عبارة عن تعلق خاص وانجذاب مخصوص شعوري بين الانسان وبين كماله، أن الحب تعلق وجودي وانجذاب خاص بين العلة المكملة أو ما يشبهها وبين المعلول المستكمل أو ما يشبهه، الحب إنجذاب نحو مصدر الفيض و منبعه , هجرة الى الكمال المطلق , فالعشق سار في هذا الوجود بأرجاءه , فهذه الهجرة إلى الوطن لابد و أن تتكلل باللقاء , و عند اللقاء تكون هناك تحية , و هذه التحية هي عبارة عن , " تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ " , نعم الزيارة تعني الحضور , و حين يتحقق هذا الحضور و هذا اللقاء فهناك تحية , السلام , الزيارة عبارة عن معراج إلى لقاء المعصوم صلوات الله و سلامه عليه كما أن الصلاة معراج المؤمن , فيا أهل بيت النبوة و معدن الرسالة , السلام عليكم من عبد آبق قد وفد إليكم و أنخ رحاله على أعتابكم , فأنتم أهل الجود و الكرم و العفو .


جاء في الصفحة الثانية و الثلاثين من كتاب ( الآداب المعنوية ) الشريف للسيد الإمام الخميني قدس سره الشريف , في السطر الخامس

( و الهجرة المعنوية هي الخروج من بَيت النفس و منزل الدنيا إلى الله و رسوله ) انتبِهوا إلى
هذه الفقرات القصيرة في الفاظها و الغنيَّة في معانيها و مضامينها ( و الهجرة المعنوية هي
الخروج من بَيت النفس و منزل الدنيا إلى الله و رسوله , و الهجرة إلى الرسول و إلى الوَلي
ايضا هجرة إلى الله , و ما دامَ للسالِك تعَلُّق ما بِنَفسانيته و توَجُّه منه إلى إنيَّته فَليس هو
بِمُسافر , و ما دامَتْ البقايا من الانانية على امتداد ن َ ظر السالك و جُدران مدينة النفس و اذا ُ ن
إعلام حُبِّ النفس غير مُختَفية َفهو في حُكم الحاضر , لا اُلمسافر و لا اُلمهاجر ) إنتهى .

أضيف إشارة لمن يتذوقها بين الآية و الرواية :


وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ


قال أبو عبد الله عليه أفضل الصلاة و السلام يا حسين ( حسين بن ثوير ) من خرج من منزله يريد زيارة الحسين بن علي صلوات الله و سلامه عليهما


و في الزيارة المطلقة لأبي عبد الله الحسين عليه السلام و في زيارات عدة للمعصومين عليهم السلام نقرأ مثل هذه العبائر :


" أَنا عَبْدُ الله وَمَوْلاكَ وَفِي طاعَتِكَ وَالوافِدُ إِلَيْكَ أَلْتَمِسُ كَمالَ المَنْزِلَةِ عِنْدَ الله وثَباتَ القَدَمِ فِي الهِجْرَةِ إِلَيْكَ وَالسَّبِيلَ الَّذِي لايَخْتَلِجُ دُونَكَ مِنَ الدُّخُولِ فِي كِفالَتِكَ الَّتِي أُمَرْتَ بِها مِنْ أَرادَ الله بَدَأَ بِكُمْ، بِكُمْ يُبَيِّنُ الله الكَذِبَ وَبِكُمْ يُباعِدُ الله الزَّمانَ الكَلِبَ وَبِكُمْ فَتَحَ الله وَبِكُمْ يَخْتِمُ الله "


و أقول أن في هذه العبائر بيان لبعض أسرار كنية سيدالشهدآء سلام الله عليه بـ " أبا عبدالله " , صلوات الله و سلامه عليه , ففي هذه الكنية أسرار عديدة , عموما , نسئل الله التوفيق لبيانها , نعود لأصل موضوعنا .


و هناك سر آخر للسلام ورد في كتاب الكافي الشريف في باب التواريخ و ميلاد النبي الأعظم صلى الله عليه و آله حديث رقم 39 , أذكره هنا و لكن لابد من التدبر فيها لعل الله يفتح لنا آفاق من المعرفة بدراية هذا الحديث الشريف :


" بعض أصحابنا رفعه، عن محمد بن سنان، عن داود بن كثير الرقي قال: قلت لابي عبدالله: ما معنى السلام على رسول الله؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى لما خلق نبيه ووصيه وابنته وابنيه وجميع الائمة وخلق شيعتهم أخذ عليهم الميثاق وأن يصبروا ويصابروا ويرابطوا وأن يتقوا الله ووعدهم أن يسلم لهم الارض المباركة والحرم الآمن وأن ينزل لهم البيت المعمور، ويظهر لهم السقف المرفوع ويريحهم من عدوهم والارض التي يبدلها الله من السلام ويسلم ما فيها لهم لاشية فيها، قال: لا خصومة فيها لعدوهم وأن يكون لهم فيها ما يحبون وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله على جميع الائمة وشيعتهم الميثاق بذلك ، وإنما السلام عليه تذكرة نفس الميثاق وتجديد له على الله، لعله أن يعجله عزوجل ويعجل السلام لكم بجميع ما فيه. "


و لعل هناك معنى آخر للسلام من باب التدبر في لفظه و معناه , السلام هو تحية و التحية من الحياة و للحياة معنى جميل في كتاب الله العزيز و الروايات الشريفة .


عموما بودي أن أذكر مقطع من شعر لشيخنا الجليل صاحب الأعجوبات و أحد أفذاذ علمائنا شيخ بهاء الدين محمدحسين العاملي المعروف بالشيخ البهايي رضوان الله عليه خصوص توضيحه لمعنى الوطن و فيه إشارة إلى معنى الغربة , و العوالم الغربية , لا شرقية و لا غربية , و كذلك الغفلة و التذكر , الشعر باللغة الفارسية :


اين وطن مصر و عراق و شام نيست


اين وطن شهري است کو را نام نيست


زانکه از دنياست اين اوطان تمام


مدح دنيا کي کند خير الانام


اي خوش آن کو يابد از توفيق بهر


کآورد رو سوي آن بي نام شهر


تو در اين اوطان غريبي اي پسر


خو به غربت کرده اي ، خاکت به سر


آنقدر در شهر تن ، مانده اي اسير


کان وطن يکباره رفتت از ضمير


رو بتاب از جسم و جان را شاد کن


موطن اصلي خود را ياد کن


زين جهان تا آن جهان بسيار نيست


در ميان جز يک نفس در کار نيست


تا به چندان شاهباز پر فتوح


باز ماني دور از اقليم روح



إشارة فيها لطيفة : الصلاة في الوطن لا تُقصر بل تصلى كاملة , و الصلاة في الحائر الحسيني كاملة , فهناك تصدق معنى من معاني الوطن الحقيقي , حب الوطن من الإيمان و الهجرة إلى ذلك الموطن ।

------------------------

أحببت إضافة هذا المقتطف لما أرى فيه من فائدة , لا سيما و إني أرى فيه ربطا بخصوص ما جاء في موضوع بحثنا هذا .

نقل الطريحي في (مجمع البحرين) ج5 ص 33 عن بعض اهل الكمال قوله في تحقيق معرفة الآل يقول: ان آل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كل من يؤل اليه وهم قسمان: الأول من يؤول اليه مآلا صورياً جسمانياً كاولاده ومن يحذو حذوهم من أقاربه الصوريين الذين يحرم عليهم الصدقة في الشريعة المحمدية .. والثاني: من يؤول اليه مآلا معنويا روحانياً وهم أولاده الروحانيون من العلماء الراسخين والأولياء الكاملين والحكماء المتألهين المقتبسين من مشكاة أنواره ـ إلى أن قال ـ : ولا شك أن النسبة الثانية آكد من الأولى .

(( سلمان منا أهل البيت ))

و أسألكم خالص الدعآء بحق فاطمة الزهرآء سلام الله عليها
يا علي

ليست هناك تعليقات: