بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد الأطيبين الأطهرين
و اللعنة الدآئمة الوبيلة على أعدآئهم و ظالميهم أجمعين
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
وددت أن أتذاكر لنفسي معنى السالمية في الآيات و الروايات و الزيارات الشريفة
فإني أذكرها هنا لعل غيري أيضا ينتفع منها
نستطيع فهم و معرفة معنى السالمية من خلال هذه الآية الكريمة :
" ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل اكثرهم لا يعلمون "
فإن الله عز و جل يبين لنا معنى السالمية من خلال بيان ضده , فإن الأشياء تعرف بأضدادها
فوجود شركاء متشاكسون في رجل هو معنى خلاف السالمية لرجل
فالسالمية لرجل هو أن لا تتخذ معه شريك و أن لا تتخذ من دونه وليجة
أي لا تقول كما قال القوم علي و معاوية , خذلهم الله كيف ظلموا عليا.
التوبة (آية:16)( أم حسبتم ان تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجه والله خبير بما تعملون))
فهذا المثال القرآني يبين لنا بوضوح المعنى الذي يتردد كثيرا في الروايات و الزيارات الشريفة من أن المؤمن يجب أن يتمسك بعروة أهل البيت عليهم السلام و أن لا يتخذ من دونهم وليجة , كما جاء مثلا في زيارة الجامعة الكبيرة :
" ... مؤمن بسركم وعلانيتكم وشاهدكم وغائبكم وأولكم وآخركم، ومفوض في ذلك كله إليكم، ومسلم فيه معكم، وقلبي لكم مسلم، ورأيي لكم تبع، ونصرتي لكم معدة حتى يحيي الله دينه بكم، ويردكم في أيامه، ويظهركم لعدله، ويمكنكم في ارضه، فمعكم معكم لا مع غيركم، آمنت بكم وتوليت آخركم بما توليت به أولكم، وبرأت إلى الله عز وجل من أعدائكم ومن الجبت والطاغوت والشياطين وحزبهم، الظالمين لكم الجاحدين لحقكم، والمارقين من ولايتكم والغاصبين لارثكم، الشاكين فيكم، المنحرفين عنكم، ومن كل وليجة دونكم وكل مطاع سواكم، ومن الأئمة الذين يدعون إلى النار فثبتني الله ابدا ما حييت على موالاتكم ومحبتكم ودينكم ... "
راجع شرح الشيخ الغزي على الزيارة الجامعة الحلقة 26 بعنوان هوية التشيع و من هو الشيعي : يــا عـــلـــــــــــي
راجع ايضا هذا الشرح هنا تحت فقرة الظالمين لكم و ما بعدها لتقف على بعض معاني التي اشرنا اليها : حديث عبدالرحمن بن كثير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله تعالى : (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَاد بِظُلْم) (2) قال : « نزلت فيهم ، حيث دخلوا الكعبة فتعاهدوا وتعاقدوا على كفرهم وجحودهم بما نزل في أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فألحدوا في البيت بظلمهم الرسول ووليّه (فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
و لقد ورد معنى السالمية في العديد من الآيات القرآنية المباركة , منها هذه الآية :
قل اندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على اعقابنا بعد اذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الارض حيران له اصحاب يدعونه الى الهدى ائتنا قل ان هدى الله هو الهدى وامرنا لنسلم لرب العالمين
فهذه الآية أيضا تؤكد بدورها وجود أطراف و دعوات متعددة مقابل دعوة الله و داعي الله عز و جل .
و قوله: «كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران»«إلخ» تمثيل مثل به حال الإنسان المتحير الذي لم يؤت بصيرة في أمره و عزيمة راسخة على سعادته فترك أحسن طريق و أقومه إلى مقصده، و قد ركبه قبله أصحاب له مهتدون به و بقي متحيرا بين شياطين يدعونه إلى الردى و الهلاك، و أصحاب له مهتدين قد نزلوا في منازلهم أو أشرفوا على الوصول يدعونه إلى الهدى أن ائتنا فلا يدري ما يفعل و هو بين مهبط و مستوى؟.
راجع أيضا جنود العقل و الجهل للامام الخميني قدس سره
راجع ايضا شرح منازل السائرين لعبد الرزاق الكاشاني رحمه الله
قوله تعالى: «ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون و رجلا سلما لرجل هل يستويان» إلخ، قال الراغب: الشكس - بالفتح فالكسر - سيىء الخلق، و قوله: «شركاء متشاكسون» أي متشاجرون لشكاسة خلقهم.
انتهى و فسروا السلم بالخالص الذي لا يشترك فيه كثيرون.
مثل ضربه الله للمشرك الذي يعبد أربابا و آلهة مختلفين فيشتركون فيه و هم متنازعون فيأمره هذا بما ينهاه عنه الآخر و كل يريد أن يتفرد فيه و يخصه بخدمة نفسه، و للموحد الذي هو خالص لمخدوم واحد لا يشاركه فيه غيره فيخدمه فيما يريد منه من غير تنازع يؤدي إلى الحيرة فالمشرك هو الرجل الذي فيه شركاء متشاكسون و الموحد هو الرجل الذي هو سلم لرجل.
لا يستويان بل الذي هو سلم لرجل أحسن حالا من صاحبه.
و هذا مثل ساذج ممكن الفهم لعامة الناس لكنه عند المداقة يرجع إلى قوله تعالى: «لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا:» الأنبياء: - 22 و عاد برهانا على نفي تعدد الأرباب و الآلهة.
و قوله: «الحمد لله» ثناء لله بما أن عبوديته خير من عبودية من سواه.
و قوله: «بل أكثرهم لا يعلمون» مزية عبادته على عبادة غيره على ما له من الظهور التام لمن له أدنى بصيرة.
قوله تعالى: «إنك ميت و إنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون» الآية الأولى تمهيد لما يذكر في الثانية من اختصامهم يوم القيامة عند ربهم و الخطاب في «إنكم» للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أمته أو المشركين منهم خاصة و الاختصام - كما في المجمع، - رد كل واحد من الاثنين ما أتى به الآخر على وجه الإنكار عليه.
و المعنى: إن عاقبتك و عاقبتهم الموت ثم إنكم جميعا يوم القيامة بعد ما حضرتم عند ربكم تختصمون و قد حكى مما يلقيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) «و قال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا:» الفرقان: - 30.
و الآيتان عامتان بحسب لفظهما لكن الآيات الأربع التالية تؤيد أن المراد بالاختصام ما يقع بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و بين الكافرين من أمته يوم القيامة.
و في المجمع،: في قوله تعالى: «و رجلا سلما لرجل»: روى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بالإسناد عن علي أنه قال: أنا ذلك الرجل السلم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):. أقول: و رواه أيضا عن العياشي بإسناده عن أبي خالد عن أبي جعفر (عليه السلام) و هو من الجري و المثل عام.
قـال تـعالى : (ضرب اللّه مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون و رجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد للّه بل اءكثرهم لا يعلمون ) ((214)) فـي هذه الاية نواجه نمطا خاصا من الصورة التشبيهية التي تعتمد عنصر (المثل )اءساسا لها, و قد سـبق اءن حدثناك عن التشبيه بالمثل و عن مستوياته المتنوعة , بيد اءننانعتزم الان اءن نعرض لهذا الـنمط من التشبيه من خلال تاءكيدنا على اءحد اءشكاله التي تعتمدالمثل المنصوص عليه , اءو المثل الـذي يـتـصدره تعليق يشير الى كونه مثلا مضروبا, حيث تجد اءن الاية الكريمة تصرح باءن اللّه تعالى قد ضرب مثلا.
و هـذا الـتـصـدير للصورة له اءهميته الفنية دون اءدنى شك , فنحن اذا اءخذنا بنظر الاعتباراءن الصورة تتميز عن الكلام المباشر بكونها تعتمد عنصر التخيل (بالنسبة الى البشر طبعا)اءو بكونها تـرصـد علاقات بين شيئين لا وجود لها في دنيا الواقع , بقدر ما تستهدف تقريب و توضيح الحقائق فحسب .
اذا اءخذنا كل ذلك بنظر الاعتبار, حينئذ نعرف سلفا اءننا اءمام حقيقة مفترضة , و ليس اءمام حقيقة لها وجودها في دنيا الواقع . غير اءن الصور الفنية بعامة ليست تخضع ضرورة لهذا المعيار, بل نجد اءن قسما منها يخضع للمعيار المشار اليه , و نجد قسما آخر يخضع لمعيار الواقع تماما كما هو ملاحظ فـي صـورة ((ان مثل عيسى كمثل آدم (ع ))) بالنسبة الى خلقهما, و نجد قسما ثالثا خاضعا لما هو ((ممكن )) اءو ((موجود)) بالفعل , و ان لم يكن مشخصا بعينه .
طـبـيـعيا, ان ما هو ((ممكن )) في معايير الفن قد يكون نادرا, و قد لا يكون موجودا,ولكنه غير ممتنع , و قد يوجد بنحو ماءلوف , ففى الحالات جميعا يظل هذا النمط من التركيب الصوري (واقعيا) و ليس (تخيليا).
و مما لا شك فيه اءن لكل واحد من هذه الاشكال الواقعية الثلاثة سره الفني اءومسوغه الذي يتطلبه الفن , الا اءننا لا نعرض لهذه المسوغات الا في سياقات اءخرى نتحدث عنها لاحقا (ان شاءاللّه ).
و اءمـا الان فـنحدثك عن النمط الثالث منها, اءي ما هو (ممكن ), و هو ما نلاحظه في الاية الكريمة ((ضرب اللّه مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون , و رجلا سلما لرجل ... الخ .)),حيث تجد اءن هذا المثل هو مثل ((ممكن )) في التجارب اليومية للبشر.
فاذا افترضنا اءن موظفا يخضع لرؤساء متعددين , و هؤلاء الرؤساء يمتلك كل واحدمنهم مزاجا اءو رايـا مـخـالـفا للاخر, و اءن كل واحد منهم يريد الاستئثار بموظفه اءو العكس ,ان الموظف يريد الالتزام باءوامر كل منهم , و قد افترضت الصورة اءنهم متشاكسون و ليسوامسالمين مثلا, حينئذ لا امكان لتحقيق هدف كل من الموظف و الرؤساء, فالرؤساءمتشاكسون و الموظف لا يمكنه اءن يمتثل اءوامـر اءحـدهـم دون الاخر, كما لا يمكن اءن يجمع بين اءوامر رؤسائه , و الرؤساء بدورهم لا ينصاع اءحدهم للراءي الاخر.
و النتيجة هي : فوضى لا حدود لها, فوضى لا يتم من خلالها تحقيق الهدف من وراءعملية الادارة و التوظيف .
من الواضح , اءن الصورة المتقدمة خاصة بسلوك المشركين الذين يشركو مع اللّه تعالى غيره , الا اءن هـذه الـصـورة تسحب دلالاتها على اءنماط اءخرى من السلوك المنحرف ,لكن قبل اءن نتحدث عن الـجانب المشار اليه , ينبغي لفت نظرك الى بعض النكات اءوالاسرار الفنية للصورة المتقدمة , حيث سبق اءن قلنا : ان هذا المثل (ممكن ) الوقوع من حيث (المشبه به ), اءي : من حيث وجود رجل فيه شركاء متشاكسون , لكن من حيث المشبه , و هو عبادة المشركين لا تحقق في دنيا الواقع له , اءي ان الـمـشـرك بـالرغم من كونه يشرك مع اللّه تعالى غيره , الا اءنه لا فاعلية لهذا الغير, لبداهة عدم وجود غير اللّه تعالى .
لـذلـك , ثـمة سمات اءو اءسرار ممتعة فنيا لمثل هذه الصورة التي نتحدث عنها من حيث جمعها بين الـواقع من جانب و بين عدم تجسد الواقع من جانب آخر, بالنسبة الى المشبه ,فما هي هذه الاسرار اءو السمات ؟ ان المتعة الفنية تبرز باءجلى مظاهرها في هذه الصورة الجامعة بين واقع التوحيدووهمية الشرك , الا اءنـك تـلاحظ باءن وهمية الشرك ذاتها تحمل صورة جامعة بين واقعية سلوك المشركين و بين وهـمـيـة النتائج اءو الفاعلية المترتبة على السلوك المذكور, انك لتجد اءن المشرك يجعل مع اللّه تعالى الها آخر, و هذا واقع سلوكه , لكن لا واقع لنتائج سلوكه , اءي اءنه عندما يشرك مع اللّه تعالى غيره , تتحقق اءهدافه التي وضعها في حسبانه .
و هـذا هو الجانب الوهمي , لذلك , فان الامتاع الفني في هذه الصورة يتجلى بوضوح عندما يجد اءنها تـشـبـه عـمل المشرك برجل فيه شركاء متشاكسون في الواقع , و تشبه عمل الموحد برجل سلم لـرجـل آخـر في الواقع , بحيث تزدوج دلالتان في اءحد جزئي الصورة ,بالمقابل , نجد دلالتين في الجزء الاخر من الصورة , الا اءنهما غير مزدوجتين , كيف ذلك ؟ انك لتجد اءن الصورة تشبه عمل الموحد برجل سلم لرجل آخر, و تشبه عمل المشرك برجل فيه مـتشاكسون , الا اءن الاول الموحد, و الرجل السلم للاخر يتطابقان في واقعهما الذي يستتلي تحقق فـاعلية سلوكهما, بينا لا تتحقق فاعلية سلوك المشرك كماقلنا. و بهذا تكون الصورة المشار اليها, قـد حـفـلـت بـجـمـلـة من السمات اءو الخصائص التي احتشدت في تركيب الصورة بالنحو الذي اءوضحناه .
اءخـيـرا, يـنـبغي اءن نحدثك عن السمات الايحائية لهذه الصورة , اءي مدى انعكاساتهاعلى اءنماط اءخـرى مـن الـسـلوك المنحرف , كما ينبغي اءن نحدثك عن طبيعة تركيبتها التي تقوم على العنصر الايحائي .
انك لتلاحظ, اءن هذه الصورة تشكل بمجموعها اءي بـطـرفيها اللذين يقارنان بين الرجل الذي فيه شركاء متشاكسون و بين الرجل السلم للاخر و الـمـؤلـفة من المشبه والمشبه به انما هي في الان ذاته طرف واحد من صورة اءخرى حذف النص الـقـرآنـي الـكـريـم طـرفها الاخر. اءما طرفها المحذوف فهو (المشبه ) اءي الموحد للّه تعالى .
فالنص لم يحدثنا عن وجود الشخصية الموحدة , كما لم يحدثنا عن الشخصية المشركة , بل حدثناعن الـرجـل الـذي فيه متشاكسون و الرجل السلم للاخر, و هذا يعني اءنه لم يذكر لنا المشبه ,و هما الموحد و المشرك , بل ذكر لنا المشبه به , و هما الرجلان اللذين قد ذكرهما.
و بهذا تكون اءمام صورة داخل صورة , اءحدها محذوف , و الاخر مذكور. و هذا النمطمن الصياغة لـه امـتاعه الفني بمكان دون اءدنى شك . انه يحقق مفهوم الاقتصاد اللغوي في التعبير اءولا, و يجعل المتلقي مساهما في كشف الدلالات ثانيا.
و هـذه الـسمة الاخيرة تجسد قمة الامتاع الفني , حيث كان بمقدور النص اءن يقول مثلا ((ضرب اللّه مـثلا للموحد و المشرك )) رجلا فيه شركاء متشاكسون ... الخ . الا اءنه حذف المشبه , و ترك المتلقي يستكشف بنفسه هذه الدلالة , اءي الموحد و المشرك , نظرا لان النص انما يستهدف التركيز عـلـى تـجربة مفصلة , واضحة تقرب هدفه الى ذهن المتلقي حيث يستطيع من خلاله اءن يستوعب الـمـتـلـقـي مدى المفارقات المترتبة على سلوك المشرك , و مدى الاطمينان المترتب على سلوك الموحد, اءما نفس الموحد و نفس المشرك , فاءمر لا يحتاج الى توضيح هويتهما, و لذلك حذفه النص و اكتفى بالاثارالمترتبة على سلوكهما, بالنحو الذي اءوضحناه .
http://al-shia.org/html/ara/books/li...a/derasa31.htm
ووجه الدلالة: أنه عليه السلام ذكر للامام صفات لم تكن مجتمعة في غيره وغير أولاده المعصومين عليهم السلام بالاجماع، لأن خلفاء المخالفين على ما نذكره كانوا جاهلين جافين معطلين لكثير من السنة.
ومما يدل على ما ادعيناه: قوله عليه السلام في نهج البلاغة: إذا قبض الله رسوله صلى الله عليه وآله، رجع قوم على الأعقاب، وغالتهم السبل، واتكلوا على الولائج، ووصلوا غير الرحم، وهجروا السبب الذي أمروا بمودته، ونقلوا البناء عن رص أساسه، فبنوه في غير موضعه، معادن كل خطيئة، وأبواب كل ضارب في غمزة، قد ماروا في الحيرة، وذهلوا في السكرة، على سنة من آل فرعون من منقطع إلى الدنيا راكن، أو مفارق للدين مباين (3).
قال ابن أبي الحديد في الشرح: رجعوا على الأعقاب: تركوا ما كانوا عليه، قال سبحانه ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا (1).
أقول: بل قوله عليه السلام إشارة إلى قوله تعالى أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم (2).
ثم قال: وغالتهم السبل: أهلكهم اختلاف الآراء والأهواء، غاله كذا أي:
أهلكه، والسبل: الطرق. والولائج: جمع وليجة، وهي البطانة يتخذها الانسان لنفسه، قال سبحانه ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة (3).
(ووصلوا غير الرحم) أي: غير رحم الرسول صلى الله عليه وآله، فذكرها عليه السلام ذكرا مطلقا غير مضاف للعلم بها، كما يقول القائل (أهل البيت) فيعلم السامع أنه أراد أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله.
(وهجروا السبب) يعني: أهل البيت أيضا، وهذا إشارة إلى قول النبي صلى الله عليه وآله:
خلفت فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، حبلان ممدودان من السماء إلى الأرض، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض. فعبر أمير المؤمنين عليه السلام من أهل البيت بلفظة (السبب) لما كان النبي صلى الله عليه وآله قال (حبلان) والسبب في اللغة: الحبل.
وعنى بقوله (أمروا بمودته) قوله تعالى قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربى (4). قوله (ونقلوا البناء عن رص أساسه) الرص مصدر رصصت الشئ أرصه، أي: ألصقت بعضه ببعض، ومنه كأنهم بنيان مرصوص (5) وتراص القوم في الصف، أي: تلاصقوا، فبنوه في غير موضعه، ونقلوا الأمر عن أهله إلى غير أهله.
كتاب الأربعين - محمد طاهر القمي الشيرازي - الصفحة 196
اللهم صل على محمد و آل محمد الأطيبين الأطهرين
و اللعنة الدآئمة الوبيلة على أعدآئهم و ظالميهم أجمعين
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
وددت أن أتذاكر لنفسي معنى السالمية في الآيات و الروايات و الزيارات الشريفة
فإني أذكرها هنا لعل غيري أيضا ينتفع منها
نستطيع فهم و معرفة معنى السالمية من خلال هذه الآية الكريمة :
" ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل اكثرهم لا يعلمون "
فإن الله عز و جل يبين لنا معنى السالمية من خلال بيان ضده , فإن الأشياء تعرف بأضدادها
فوجود شركاء متشاكسون في رجل هو معنى خلاف السالمية لرجل
فالسالمية لرجل هو أن لا تتخذ معه شريك و أن لا تتخذ من دونه وليجة
أي لا تقول كما قال القوم علي و معاوية , خذلهم الله كيف ظلموا عليا.
التوبة (آية:16)( أم حسبتم ان تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجه والله خبير بما تعملون))
فهذا المثال القرآني يبين لنا بوضوح المعنى الذي يتردد كثيرا في الروايات و الزيارات الشريفة من أن المؤمن يجب أن يتمسك بعروة أهل البيت عليهم السلام و أن لا يتخذ من دونهم وليجة , كما جاء مثلا في زيارة الجامعة الكبيرة :
" ... مؤمن بسركم وعلانيتكم وشاهدكم وغائبكم وأولكم وآخركم، ومفوض في ذلك كله إليكم، ومسلم فيه معكم، وقلبي لكم مسلم، ورأيي لكم تبع، ونصرتي لكم معدة حتى يحيي الله دينه بكم، ويردكم في أيامه، ويظهركم لعدله، ويمكنكم في ارضه، فمعكم معكم لا مع غيركم، آمنت بكم وتوليت آخركم بما توليت به أولكم، وبرأت إلى الله عز وجل من أعدائكم ومن الجبت والطاغوت والشياطين وحزبهم، الظالمين لكم الجاحدين لحقكم، والمارقين من ولايتكم والغاصبين لارثكم، الشاكين فيكم، المنحرفين عنكم، ومن كل وليجة دونكم وكل مطاع سواكم، ومن الأئمة الذين يدعون إلى النار فثبتني الله ابدا ما حييت على موالاتكم ومحبتكم ودينكم ... "
راجع شرح الشيخ الغزي على الزيارة الجامعة الحلقة 26 بعنوان هوية التشيع و من هو الشيعي : يــا عـــلـــــــــــي
راجع ايضا هذا الشرح هنا تحت فقرة الظالمين لكم و ما بعدها لتقف على بعض معاني التي اشرنا اليها : حديث عبدالرحمن بن كثير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله تعالى : (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَاد بِظُلْم) (2) قال : « نزلت فيهم ، حيث دخلوا الكعبة فتعاهدوا وتعاقدوا على كفرهم وجحودهم بما نزل في أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فألحدوا في البيت بظلمهم الرسول ووليّه (فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
و لقد ورد معنى السالمية في العديد من الآيات القرآنية المباركة , منها هذه الآية :
قل اندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على اعقابنا بعد اذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الارض حيران له اصحاب يدعونه الى الهدى ائتنا قل ان هدى الله هو الهدى وامرنا لنسلم لرب العالمين
فهذه الآية أيضا تؤكد بدورها وجود أطراف و دعوات متعددة مقابل دعوة الله و داعي الله عز و جل .
قوله تعالى: «قل إن هدى الله هو الهدى» إلى آخر الآية.
أي إن كان الأمر دائرا بين دعوة الله سبحانه و هي التي توافق الفطرة و تسميه الفطرة هدى الله، و بين دعوة الشياطين و هي التي فيها الهوى و اتخاذ الدين لعبا و لهوا فهدى الله هو الهدى الحقيقي دون غيره.
أما أن ما يوافق دعوة الفطرة هو هدى الله فلا شك يعتريه لأن حق الهداية هو الذي ينطق به الصنع و الإيجاد الذي ليس إلا لله و لا نروم شيئا من دين أو اعتقاد إلا لابتغاء مطابقة الواقع و الواقع لله فلا يعدوه هداه، و أما أن هدى الله هو الهدى الحقيقي الذي يجب أن يؤخذ به دون الدعوة الشيطانية فظاهر أيضا لأن الله سبحانه هو الذي إليه أمرنا كله من جهة مبدئنا و منتهانا و ما نحتاج إليه في دنيا أو آخرة.
و قوله: «و أمرنا لنسلم لرب العالمين» قال في المجمع،: تقول العرب: أمرتك لتفعل و أمرتك أن تفعل و أمرتك بأن تفعل فمن قال: أمرتك بأن تفعل فالباء للإلصاق و المعنى وقع الأمر بهذا الفعل، و من قال: أمرتك أن تفعل حذف الجار، و من قال: أمرتك لتفعل فالمعنى أمرتك للفعل، و قال الزجاج: التقدير أمرنا كي نسلم.
و الجملة أعني قوله: «و أمرنا لنسلم» إلخ، عطف تفسير لقوله: «إن هدى الله هو الهدى» فالأمر بالإسلام هو مصداق لهدى الله، و المعنى: أمرنا الله لنسلم له و إنما أبهم فاعل الفعل ليكون تمهيدا لوضع قوله: «لرب العالمين» موضع الضمير فيدل به على علة الأمر فالمعنى أمرنا من ناحية الغيب أن نسلم لله لأنه رب العالمين جميعا ليس لها جميعا أو لكل بعض منها - كما تزعمه الوثنية - رب آخر و لا أرباب أخر.
و ظاهر الآية أن المراد بالإسلام هو تسليم عامة الأمور إليه تعالى لا مجرد التشهد بالشهادتين، و هو ظاهر قوله: «إن الدين عند الله الإسلام»: آل عمران: 19 كما مر في تفسير الآية.
قوله تعالى: «و أن أقيموا الصلاة و اتقوه» تفنن في سرد الكلام بأخذ الأمر بمعنى القول و الجري في مجرى هذه العناية كأنه قيل: و قيل لنا: أن أسلموا لرب العالمين و أن أقيموا الصلاة و اتقوه.
و قد أجمل تفاصيل الأعمال الدينية ثانيا في قوله: «و اتقوه» غير أنه صرح من بينها باسم الصلاة تعظيما لأمرها و اعتناء بشأنها و اهتمام القرآن الشريف بأمر الصلاة ظاهر لا شك فيه.
قوله تعالى: «و هو الذي إليه تحشرون» فمن الواجب أن يسلم له و يتقى لأن الرجوع إليه، و الحساب و الجزاء بيده.
قوله تعالى: «و هو الذي خلق السماوات و الأرض بالحق» إلى آخر الآية.
بضعة أسماء و أوصاف له سبحانه مذكورة أريد بذكرها بيان ما تقدم من القول و تعليله فإنه تعالى ذكر أن الهدى هداه ثم فسره نوع تفسير بالإسلام له و الصلاة و التقوى و هو تمام الدين ثم بين السبب في كون هداه هو الهدى الذي لا يجوز التجافي عنه و هو أن حشر الجميع إليه ثم بينه أتم بيان بقوله: «و هو الذي خلق السماوات و الأرض بالحق» إلخ، فهذه أسماء و نعوت له تعالى لو انتفى واحد منها لم يتم البيان.
فقوله: «هو الذي خلق» إلخ، يريد به أن الخلقة جميعا فعله و إنما أتى به بالحق لا بالباطل، و الفعل إذا لم يكن باطلا لم يكن مندوحة من ثبوت الغاية له فللخلقة غاية و هو الرجوع إليه تعالى و هذا هو إحدى الحجتين اللتين ذكرهما في قوله عز من قائل «و ما خلقنا السماء و الأرض و ما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا» إلى آخر الآيتين: ص: 27» فخلقة السماوات و الأرض بخلقة حقة تؤدي إلى أن الخلق يحشرون إليه.
و قوله: «يوم يقول كن فيكون» السياق يدل على أن المراد بالمقول له هو يوم الحشر و إن كان كل موجود مخلوق على هذه الصفة كما قال تعالى: «إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون»: يس: 82 و يوم ظرف متعلق بالقول و المعنى: يوم يقول ليوم القيامة: كن فيكون، و ربما قيل: إن المقول له هو الشيء و التقدير: يوم يقول لشيء كن فيكون، و ما ذكرناه أوفق للسياق.
و قوله: «قوله الحق» تعليل عللت به الجملة التي قبله، و الدليل عليه فصل الجملة، و الحق هو الثابت بحقيقة معنى الثبوت و هو الوجود الخارجي و الكون العيني و إذ كان قوله هو فعله و إيجاده كما يدل عليه قوله: «و يوم يقول كن فيكون» فقوله تعالى هو نفس الحق فلا مرد له و لا مبدل لكلماته قال تعالى: «و الحق أقول»: ص: 84.راجع أيضا جنود العقل و الجهل للامام الخميني قدس سره
راجع ايضا شرح منازل السائرين لعبد الرزاق الكاشاني رحمه الله
قوله تعالى: «ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون و رجلا سلما لرجل هل يستويان» إلخ، قال الراغب: الشكس - بالفتح فالكسر - سيىء الخلق، و قوله: «شركاء متشاكسون» أي متشاجرون لشكاسة خلقهم.
انتهى و فسروا السلم بالخالص الذي لا يشترك فيه كثيرون.
مثل ضربه الله للمشرك الذي يعبد أربابا و آلهة مختلفين فيشتركون فيه و هم متنازعون فيأمره هذا بما ينهاه عنه الآخر و كل يريد أن يتفرد فيه و يخصه بخدمة نفسه، و للموحد الذي هو خالص لمخدوم واحد لا يشاركه فيه غيره فيخدمه فيما يريد منه من غير تنازع يؤدي إلى الحيرة فالمشرك هو الرجل الذي فيه شركاء متشاكسون و الموحد هو الرجل الذي هو سلم لرجل.
لا يستويان بل الذي هو سلم لرجل أحسن حالا من صاحبه.
و هذا مثل ساذج ممكن الفهم لعامة الناس لكنه عند المداقة يرجع إلى قوله تعالى: «لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا:» الأنبياء: - 22 و عاد برهانا على نفي تعدد الأرباب و الآلهة.
و قوله: «الحمد لله» ثناء لله بما أن عبوديته خير من عبودية من سواه.
و قوله: «بل أكثرهم لا يعلمون» مزية عبادته على عبادة غيره على ما له من الظهور التام لمن له أدنى بصيرة.
قوله تعالى: «إنك ميت و إنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون» الآية الأولى تمهيد لما يذكر في الثانية من اختصامهم يوم القيامة عند ربهم و الخطاب في «إنكم» للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أمته أو المشركين منهم خاصة و الاختصام - كما في المجمع، - رد كل واحد من الاثنين ما أتى به الآخر على وجه الإنكار عليه.
و المعنى: إن عاقبتك و عاقبتهم الموت ثم إنكم جميعا يوم القيامة بعد ما حضرتم عند ربكم تختصمون و قد حكى مما يلقيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) «و قال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا:» الفرقان: - 30.
و الآيتان عامتان بحسب لفظهما لكن الآيات الأربع التالية تؤيد أن المراد بالاختصام ما يقع بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و بين الكافرين من أمته يوم القيامة.
و في المجمع،: في قوله تعالى: «و رجلا سلما لرجل»: روى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بالإسناد عن علي أنه قال: أنا ذلك الرجل السلم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):. أقول: و رواه أيضا عن العياشي بإسناده عن أبي خالد عن أبي جعفر (عليه السلام) و هو من الجري و المثل عام.
قـال تـعالى : (ضرب اللّه مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون و رجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد للّه بل اءكثرهم لا يعلمون ) ((214)) فـي هذه الاية نواجه نمطا خاصا من الصورة التشبيهية التي تعتمد عنصر (المثل )اءساسا لها, و قد سـبق اءن حدثناك عن التشبيه بالمثل و عن مستوياته المتنوعة , بيد اءننانعتزم الان اءن نعرض لهذا الـنمط من التشبيه من خلال تاءكيدنا على اءحد اءشكاله التي تعتمدالمثل المنصوص عليه , اءو المثل الـذي يـتـصدره تعليق يشير الى كونه مثلا مضروبا, حيث تجد اءن الاية الكريمة تصرح باءن اللّه تعالى قد ضرب مثلا.
و هـذا الـتـصـدير للصورة له اءهميته الفنية دون اءدنى شك , فنحن اذا اءخذنا بنظر الاعتباراءن الصورة تتميز عن الكلام المباشر بكونها تعتمد عنصر التخيل (بالنسبة الى البشر طبعا)اءو بكونها تـرصـد علاقات بين شيئين لا وجود لها في دنيا الواقع , بقدر ما تستهدف تقريب و توضيح الحقائق فحسب .
اذا اءخذنا كل ذلك بنظر الاعتبار, حينئذ نعرف سلفا اءننا اءمام حقيقة مفترضة , و ليس اءمام حقيقة لها وجودها في دنيا الواقع . غير اءن الصور الفنية بعامة ليست تخضع ضرورة لهذا المعيار, بل نجد اءن قسما منها يخضع للمعيار المشار اليه , و نجد قسما آخر يخضع لمعيار الواقع تماما كما هو ملاحظ فـي صـورة ((ان مثل عيسى كمثل آدم (ع ))) بالنسبة الى خلقهما, و نجد قسما ثالثا خاضعا لما هو ((ممكن )) اءو ((موجود)) بالفعل , و ان لم يكن مشخصا بعينه .
طـبـيـعيا, ان ما هو ((ممكن )) في معايير الفن قد يكون نادرا, و قد لا يكون موجودا,ولكنه غير ممتنع , و قد يوجد بنحو ماءلوف , ففى الحالات جميعا يظل هذا النمط من التركيب الصوري (واقعيا) و ليس (تخيليا).
و مما لا شك فيه اءن لكل واحد من هذه الاشكال الواقعية الثلاثة سره الفني اءومسوغه الذي يتطلبه الفن , الا اءننا لا نعرض لهذه المسوغات الا في سياقات اءخرى نتحدث عنها لاحقا (ان شاءاللّه ).
و اءمـا الان فـنحدثك عن النمط الثالث منها, اءي ما هو (ممكن ), و هو ما نلاحظه في الاية الكريمة ((ضرب اللّه مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون , و رجلا سلما لرجل ... الخ .)),حيث تجد اءن هذا المثل هو مثل ((ممكن )) في التجارب اليومية للبشر.
فاذا افترضنا اءن موظفا يخضع لرؤساء متعددين , و هؤلاء الرؤساء يمتلك كل واحدمنهم مزاجا اءو رايـا مـخـالـفا للاخر, و اءن كل واحد منهم يريد الاستئثار بموظفه اءو العكس ,ان الموظف يريد الالتزام باءوامر كل منهم , و قد افترضت الصورة اءنهم متشاكسون و ليسوامسالمين مثلا, حينئذ لا امكان لتحقيق هدف كل من الموظف و الرؤساء, فالرؤساءمتشاكسون و الموظف لا يمكنه اءن يمتثل اءوامـر اءحـدهـم دون الاخر, كما لا يمكن اءن يجمع بين اءوامر رؤسائه , و الرؤساء بدورهم لا ينصاع اءحدهم للراءي الاخر.
و النتيجة هي : فوضى لا حدود لها, فوضى لا يتم من خلالها تحقيق الهدف من وراءعملية الادارة و التوظيف .
من الواضح , اءن الصورة المتقدمة خاصة بسلوك المشركين الذين يشركو مع اللّه تعالى غيره , الا اءن هـذه الـصـورة تسحب دلالاتها على اءنماط اءخرى من السلوك المنحرف ,لكن قبل اءن نتحدث عن الـجانب المشار اليه , ينبغي لفت نظرك الى بعض النكات اءوالاسرار الفنية للصورة المتقدمة , حيث سبق اءن قلنا : ان هذا المثل (ممكن ) الوقوع من حيث (المشبه به ), اءي : من حيث وجود رجل فيه شركاء متشاكسون , لكن من حيث المشبه , و هو عبادة المشركين لا تحقق في دنيا الواقع له , اءي ان الـمـشـرك بـالرغم من كونه يشرك مع اللّه تعالى غيره , الا اءنه لا فاعلية لهذا الغير, لبداهة عدم وجود غير اللّه تعالى .
لـذلـك , ثـمة سمات اءو اءسرار ممتعة فنيا لمثل هذه الصورة التي نتحدث عنها من حيث جمعها بين الـواقع من جانب و بين عدم تجسد الواقع من جانب آخر, بالنسبة الى المشبه ,فما هي هذه الاسرار اءو السمات ؟ ان المتعة الفنية تبرز باءجلى مظاهرها في هذه الصورة الجامعة بين واقع التوحيدووهمية الشرك , الا اءنـك تـلاحظ باءن وهمية الشرك ذاتها تحمل صورة جامعة بين واقعية سلوك المشركين و بين وهـمـيـة النتائج اءو الفاعلية المترتبة على السلوك المذكور, انك لتجد اءن المشرك يجعل مع اللّه تعالى الها آخر, و هذا واقع سلوكه , لكن لا واقع لنتائج سلوكه , اءي اءنه عندما يشرك مع اللّه تعالى غيره , تتحقق اءهدافه التي وضعها في حسبانه .
و هـذا هو الجانب الوهمي , لذلك , فان الامتاع الفني في هذه الصورة يتجلى بوضوح عندما يجد اءنها تـشـبـه عـمل المشرك برجل فيه شركاء متشاكسون في الواقع , و تشبه عمل الموحد برجل سلم لـرجـل آخـر في الواقع , بحيث تزدوج دلالتان في اءحد جزئي الصورة ,بالمقابل , نجد دلالتين في الجزء الاخر من الصورة , الا اءنهما غير مزدوجتين , كيف ذلك ؟ انك لتجد اءن الصورة تشبه عمل الموحد برجل سلم لرجل آخر, و تشبه عمل المشرك برجل فيه مـتشاكسون , الا اءن الاول الموحد, و الرجل السلم للاخر يتطابقان في واقعهما الذي يستتلي تحقق فـاعلية سلوكهما, بينا لا تتحقق فاعلية سلوك المشرك كماقلنا. و بهذا تكون الصورة المشار اليها, قـد حـفـلـت بـجـمـلـة من السمات اءو الخصائص التي احتشدت في تركيب الصورة بالنحو الذي اءوضحناه .
اءخـيـرا, يـنـبغي اءن نحدثك عن السمات الايحائية لهذه الصورة , اءي مدى انعكاساتهاعلى اءنماط اءخـرى مـن الـسـلوك المنحرف , كما ينبغي اءن نحدثك عن طبيعة تركيبتها التي تقوم على العنصر الايحائي .
انك لتلاحظ, اءن هذه الصورة تشكل بمجموعها اءي بـطـرفيها اللذين يقارنان بين الرجل الذي فيه شركاء متشاكسون و بين الرجل السلم للاخر و الـمـؤلـفة من المشبه والمشبه به انما هي في الان ذاته طرف واحد من صورة اءخرى حذف النص الـقـرآنـي الـكـريـم طـرفها الاخر. اءما طرفها المحذوف فهو (المشبه ) اءي الموحد للّه تعالى .
فالنص لم يحدثنا عن وجود الشخصية الموحدة , كما لم يحدثنا عن الشخصية المشركة , بل حدثناعن الـرجـل الـذي فيه متشاكسون و الرجل السلم للاخر, و هذا يعني اءنه لم يذكر لنا المشبه ,و هما الموحد و المشرك , بل ذكر لنا المشبه به , و هما الرجلان اللذين قد ذكرهما.
و بهذا تكون اءمام صورة داخل صورة , اءحدها محذوف , و الاخر مذكور. و هذا النمطمن الصياغة لـه امـتاعه الفني بمكان دون اءدنى شك . انه يحقق مفهوم الاقتصاد اللغوي في التعبير اءولا, و يجعل المتلقي مساهما في كشف الدلالات ثانيا.
و هـذه الـسمة الاخيرة تجسد قمة الامتاع الفني , حيث كان بمقدور النص اءن يقول مثلا ((ضرب اللّه مـثلا للموحد و المشرك )) رجلا فيه شركاء متشاكسون ... الخ . الا اءنه حذف المشبه , و ترك المتلقي يستكشف بنفسه هذه الدلالة , اءي الموحد و المشرك , نظرا لان النص انما يستهدف التركيز عـلـى تـجربة مفصلة , واضحة تقرب هدفه الى ذهن المتلقي حيث يستطيع من خلاله اءن يستوعب الـمـتـلـقـي مدى المفارقات المترتبة على سلوك المشرك , و مدى الاطمينان المترتب على سلوك الموحد, اءما نفس الموحد و نفس المشرك , فاءمر لا يحتاج الى توضيح هويتهما, و لذلك حذفه النص و اكتفى بالاثارالمترتبة على سلوكهما, بالنحو الذي اءوضحناه .
http://al-shia.org/html/ara/books/li...a/derasa31.htm
ووجه الدلالة: أنه عليه السلام ذكر للامام صفات لم تكن مجتمعة في غيره وغير أولاده المعصومين عليهم السلام بالاجماع، لأن خلفاء المخالفين على ما نذكره كانوا جاهلين جافين معطلين لكثير من السنة.
ومما يدل على ما ادعيناه: قوله عليه السلام في نهج البلاغة: إذا قبض الله رسوله صلى الله عليه وآله، رجع قوم على الأعقاب، وغالتهم السبل، واتكلوا على الولائج، ووصلوا غير الرحم، وهجروا السبب الذي أمروا بمودته، ونقلوا البناء عن رص أساسه، فبنوه في غير موضعه، معادن كل خطيئة، وأبواب كل ضارب في غمزة، قد ماروا في الحيرة، وذهلوا في السكرة، على سنة من آل فرعون من منقطع إلى الدنيا راكن، أو مفارق للدين مباين (3).
قال ابن أبي الحديد في الشرح: رجعوا على الأعقاب: تركوا ما كانوا عليه، قال سبحانه ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا (1).
أقول: بل قوله عليه السلام إشارة إلى قوله تعالى أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم (2).
ثم قال: وغالتهم السبل: أهلكهم اختلاف الآراء والأهواء، غاله كذا أي:
أهلكه، والسبل: الطرق. والولائج: جمع وليجة، وهي البطانة يتخذها الانسان لنفسه، قال سبحانه ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة (3).
(ووصلوا غير الرحم) أي: غير رحم الرسول صلى الله عليه وآله، فذكرها عليه السلام ذكرا مطلقا غير مضاف للعلم بها، كما يقول القائل (أهل البيت) فيعلم السامع أنه أراد أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله.
(وهجروا السبب) يعني: أهل البيت أيضا، وهذا إشارة إلى قول النبي صلى الله عليه وآله:
خلفت فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، حبلان ممدودان من السماء إلى الأرض، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض. فعبر أمير المؤمنين عليه السلام من أهل البيت بلفظة (السبب) لما كان النبي صلى الله عليه وآله قال (حبلان) والسبب في اللغة: الحبل.
وعنى بقوله (أمروا بمودته) قوله تعالى قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربى (4). قوله (ونقلوا البناء عن رص أساسه) الرص مصدر رصصت الشئ أرصه، أي: ألصقت بعضه ببعض، ومنه كأنهم بنيان مرصوص (5) وتراص القوم في الصف، أي: تلاصقوا، فبنوه في غير موضعه، ونقلوا الأمر عن أهله إلى غير أهله.
كتاب الأربعين - محمد طاهر القمي الشيرازي - الصفحة 196